ملخص الخطبة | |||
1- حوض النبي | |||
الخطبة الأولى | |||
أما بعد: فإننا قد وصلنا معكم في الحديث عن يوم القيامة وأهواله، وعن كربه وأحواله إلى أرض المحشر، إلى لحظة الحساب، ورأينا كيف يشفع الحبيب المصطفى وشفاعته تلكم هي المقام المحمود الذي وعده الله نبيه وها هو رب العزة قد جاء، يا زارع الخـير تحصـد بعـده ثمرا يا زارع الشر موقوف على الوهن يا نفس كفي عن العصيان واكتسبي فـعلا جميلاً لعـل الله يـرحمنـي يا نفس ويحك توبي واعمـلي حسناً عسـى تجازين بعد الموت بالحسن وإني سائلكم عن الوحوش التي حشرت مع الإنس والجن، قال تعالى: يقتص من الدواب التي لا عقل لها ولا تمييز، ليعلم الإنسان يومئذ أن هذا اليوم هو يوم العدل التام، ليعلم أن حساب المكلفين أعسر وأصعب. حتى إذا فرغ منهم قال لها: كوني تراباً. قال عبد الله بن عمرو: (عندئذ يقول الكافر: وإذا الوحوش لدى القيامة أحشـرت وتهتكـت للظـالميـن ستـور وإذا الجنـيـن بـأمـه متعلــقٌ يخشـى القصاص وقلبه مذعور هـذا بلا ذنـب يخــاف لهولـه كيف المُصر على الذنوب دهور وبعد ذلك يأتي دور العباد، وقد عرضوا على ربهم صفاً صفا، لا أحد منهم غائب، وقد أحدقت بهم الملائكة من كل جانب. ويأمر الله بالكتب وصحائف الأعمال، فتأتي بها الملائكة ويؤتى كل مخلوق كتابه، وهذا هو العدل التام قال تعالى: واستمعوا إلى قول لقمان لابنه وهو يعظه: هنالك تبيض وجوه وتسود وجوه، ترتعد القلوب، وتطير العقول، ويرى المجرمون الكتب فيقرؤونها ويقولون: هنالك يأمر الله تعالى بسبعين ألفاً من أمة محمد ويبقى سائر الخلق، وجلال الحي القيوم قد غمر النفوس والمكان بالهيبة والجلال والعظمة. وتصور نفسك في ذلك الموقف الرهيب واليوم العصيب، ولا تسمع إلا همس الناس: نفسي نفسي، فيا هول ذلك اليوم وأنت تنادي معهم، وترى حولك الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، فتدرك حينها أنك موقوف على خطر عظيم. وفجأة، تسمع منادياً ينادي باسمك: فلان بن فلان، فيتقدم نحوك ملائكة لم يمنعهم اشتباه الأسماء باسمك واسم أبيك بغيره، بل عرفوك وأدركوا أنك المطلوب، هنالك تبلغ القلوب الحناجر، ويتغير لونك وتضطرب جوارحك تقول: إلى أين يا ملائكة الرحمن؟ فيقال لك: هلم إلى العرض الأكبر. فتتخطى بك الصفوف إلى ربك فتقف بين يديه، وقد رفع الخلائق كلهم أبصارهم إليك. فتصور نفسك ـ يا عبد الله ـ وأنت بين يدي الله الواحد القهار، وبيدك صحيفة مخبرة عن كل أعمالك فاضحة لكل أفعالك، لا تغادر بلية كتمتها ولا صغيرة سترتها، وتقرأ ما فيها بلسان كليل وقلب عليل، كم من سيئة قد كنت أخفيتها قد أظهرها الكتاب وأبداها، وكم من عمل ظننته خالصاً فتجده هباء منثورا، فيا حسرة قلبك على ما فرطت في طاعة ربك، دع ما كان عنك في زمن الصبـا واذكـر ذنـوبـك وابكها يا مذنب واذكـر مناقشة الحساب فإنــه لا بد من أن يحصى كل شيء ويكتـب لم ينسـه الملكان حـين نسيتـه بـل أثبتـاه وأنـت لاه تـلـعـب والنفس فيـك وديعةٌ أودعتهـا ستـردّهـا بالرغـم منك وتـسلب أسال الله العظيم أن يبارك لي ولكم في القرآن العظيم، وأن ينفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم واستغفروا الله إنه هو الغفور الرحيم.
| |||
![]() الخطبة الثانية | |||
الحمد لله على إحسانه وعلى نعمه وجزيل امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه السائرين على منواله. أما بعد: فاعلموا ـ عباد الله ـ أن الله تبارك وتعالى قد أقسم في كتابه الكريم أنه سوف يسألنا عن أعمالنا جميعاً فقال: وتصور عيسى بن مريم من أولي العزم من الرسل واقفاً بين يدي الله تعالى وجلاً خائفاً، ويناديه الله: قال إنما ذلكم العرض، معنى العرض: أن يقف العبد بين يدي الله وبيدك صحيفة أعمالك تقرؤها على مهل، واستمع إلى كيفية العرض في حديث رسول الله أذنبت كل الذنوب لسـت أنكرهـا وقد رجوتك يا ذا المـن تغفرهـا أرجـوك تغفـرها في الحشر يا سندي كما كنت يا أملي في الدنيا تسترها فيدنيه الله تعالى منه، ويعطيه كتابه بيمينه، فلا يصدق العبد ما يسمع وما يرى، فيشرق وجهه وينبعث النور من أعضائه ويقول الله له: انطلق وبشر إخوانك ومن هم مثلك أن مصيرهم اليوم إلى الجنة. ينطلق في أرض المحشر فرحاً مسروراً رافعاً صوته منبسطاً كما يصرخ الطفل الذي نجح في الامتحان يقول: وأما الآخر ـ أعاذني الله وإياكم من الخزي والسوء ـ فيقف بين يدي الله خاسئاً ذليلاً، ذلك هو الذي أمره الله فما ائتمر، والذي نهاه فما ازدجر، أمره الله بالتوحيد فأبى إلا الشرك، أمره الله بالتوكل عليه فأبى إلا اللجوء إلى العرافين والكهنة والمنجمين، أمره الله بالصلاة فأبى إلا تركها، وأمره الله بإحسانها فأبى إلا أن ينقرها كما ينقر الغراب، فلا يقيم ركوعاً ولا يتم سجوداً ولا جلوساً، أمره الله ببر الوالدين فأبى إلا العصيان، أمره الله أن بكف اللسان فأبى إلا الغيبة والكذب والسب والشتم، أمره الله بأن يستر بناته فأبى إلا تقليد الكفار والفجار، أمره الله بتربية أولاده فأبى إلا أن يدعهم أمام الفتن ومزالق الهوى، أمره الله بكل خير فما أطاع، يقول الله له: أي فلُ، ـ أي: فلان، ولا يقول له عبدي ـ، أتذكر ذنب كذا في مكان كذا في يوم كذا؟ فيقول: يا رب آمنت بك وبكتبك وبرسلك وصلّيت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول الله له: إذن نبعث عليك شاهداً عليك. فيتفكر في نفسه: من ذا يشهد عليه؟ هنالك يختم الله على فمه ويقال لفخذه وعظمه ولحمه: انطقي، فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله، فيقول هنالك: سُحقاً لكُنَّ فعنكن كنت أناضل. فيؤتيه الله كتابه بشماله، ويقول له: انطلق فبشر كل من هو مثلك أن مصيرهم اليوم إلى النار، فينطلق في أرض المحشر وجهه أسود، حزين، ترهقه قترة، ويتمنى لو يفتدي من عذاب يومئذ بأقرب الناس إليه، ويصرخ صرخة اليائس المخفق: وبعد ذلك كله يأتي القصاص والميزان، فإما إلى الجنان وإما إلى النيران |
الإيمان, الرقاق والأخلاق والآداب
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق