الشرك المنافي للتوحيد (1)

ملخص الخطبة

1- المعاصي سبب البلايا والمصائب. 2- المعاصي منها صغائر وكبائر. 3- الفرق بين الصغيرة والكبيرة. 4- الشرك بالله أعظم الذنوب وأكبرها. 5- توحيد الله أعظم الطاعات. 6- التوحيد دعوة جميع الأنبياء. 7- دليل أهمية التوحيد.


الخطبة الأولى

أما بعد: فقد تحدثنا معكم في الخطبة الأخيرة عن المعاصي والآثام والذنوب، وعن آثارها على الأفراد والشعوب، وكيف يطبع الله بسببها على القلوب، فهي أولى أن تكون حديث الساعة، وأن يكون شغلنا الشاغل وهمنا الأكبر هو معرفتها لاجتنابها والابتعاد عنها. كيف لا يكون ذلك هو الأولى، والله سبحانه وتعالى يقسم في كتابه سبعة أقسام متتالية على أن مدار الفلاح والفوز بالجنان هو في تركها واجتنابها، ومدار الخيبة والخسران في فعلها واقترافها، واستمعوا إلى هذه الأقسام: وَٱلشَّمْسِ وَضُحَـٰهَا وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلـٰهَا وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّـٰهَا وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَـٰهَا وَٱلسَّمَاء وَمَا بَنَـٰهَا وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَـٰهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّـٰهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّـٰهَا [الشمس:1-10].

كيف لا نتحدث عن الذنوب والمعاصي والله سبحانه يذكرنا دائمًا بأنه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، يذكرنا دائمًا بأنه ما من مصيبة تنزل بالمسلمين وقاصمة تقصم ظهور المؤمنين في دينهم أو مالهم أو عرضهم أو نفوسهم أو أهليهم فهي بسبب ما يكتسبونه قال تعالى: وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى:30]، ويعفو عن كثير مما تقترفه جوارحنا وتسعى إليه أهواؤنا، وَلَوْ يُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ [النحل:61].

كيف لا نتحدث عن الذنوب ونحذر منها وهي تسلب المرء أسماء المدح والشرف، وتكسوه أسماء الذم والصّغار، تسلبه اسم المؤمن، المتقي، الصالح، العابد، الخائف، الولي، الطيب، الأوّاب، الزاهد، الورع، العفيف، المحسن، البرّ، المطيع، المنيب، الوفي، والله تعالى قد علق النصر والعزة والفلاح بهذه الأسماء، فتسلبه الذنوب كل ذلك وتكسوه أسماء الفاجر، العاصي، المفسد، الخبيث، الخائن، القاسط، المخالف، المسيء، وقد علق الله عليها أسباب الخذلان والذل والخسران.

ولقد صدق الإمام ابن المبارك رحمه الله تعالى حين قال:

رأيت الذنوب تميت القلوب ويـورث الـذل إدمانهـا

وترك الذنوب حياة القلوب فخير لنفسـك عصيانهـا

والذنوب ـ عباد الله ـ إما صغائر أو كبائر، ويجب على المسلمين عامة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر خاصة أن يدركوا التمييز، فإن الجهل بمراتب الذنوب يورث الجهل بسياسة النفوس، ويخلف فوضى عارمة في الدعوة إلى الله تعالى. فكم رجل رأيناه يزهد في الدُّرَّة ليحصل على الذُرة، ويبني قصرًا ليهدم مصرا، جهل بفقه الدعوة فقدَّم ما حقه التأخير وأخر ما حقه التقديم:

أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل

فاعلموا ـ إخوتي الكرام ـ أن الكبيرة هي كل ذنب عظم حتى رتب الله عليه حدّا في الدنيا أو وعيدا في الآخرة، أو اقترن به لعن أو غضب أو نفي الإيمان عن صاحبه كما قال النووي في "شرحه لمسلم" وابن القيم في "مدارج السالكين".

والصغيرة هي ما دون ذلك، أي: لم يقترن بها حدّ في الدنيا، أو وعيد في الآخرة، أو لعن أو غضب أو نفي الإيمان عن صاحبه، مثل البصاق في المساجد وإنشاد الضالة بها والالتفات في الصلاة وغير ذلك.

وعلينا أن نلاحظ أن الصغيرة إن جهر بها وافتخر بها وفعلها صاحبها بطرًا وكبرًا تحسب عليه كبيرة من الكبائر لما قارنها من آثار الكبر والغرور.

عرفنا الفرق بين الكبيرة والصغيرة، فما حكم كل واحد منها؟

ألا فاعلم أن الصغائر تكفرها وتمحوها الحسنات كما قال تعالى: إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـٰتِ [هود:114]، تكفرها الصلاة والصيام والصدقة وغير ذلك من الحسنات، لأن الذي يحرص على أعمال البر هذه تجده بالضرورة مجتنبًا للكبائر والله يقول: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيمًا [النساء:31]، فهذا يستلزم ذاك.

أما الكبائر: فاعلموا أن صاحبها موقوف على الخطر، لا تكفرها الحسنات، لا تكفرها إلا التوبة الصادقة الخالصة مع شروطها الكاملة، والله يتولاه بمغفرته إن شاء.

إذا علمنا ذلك كله فما هي الكبائر وما عددها وما أعظمها؟

ألا فاعلموا أن أكبر الكبائر على الإطلاق، وأعظم الذنوب بالاتفاق، والتي لا يكفرها شيء ولا يغفرها تعالى لمن مات عليها مصرّا هي الشرك بالله تعالى، كل كبيرة يموت عليها العبد ربما غفرها الله له تفضلاً منه وامتنانا إلا الشرك، قال تعالى: إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذٰلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـٰلاً بَعِيدًا [النساء:116].

الشرك هو الطامة الكبرى والمصيبة العظمى التي تهدد صرح هذا الدين، وتدك حصون المسلمين. وما أعظم قول الله تعالى فيه: وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَاء فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِى بِهِ ٱلرّيحُ فِى مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31].

الشرك هو أكبر ظلم في حق الله تعالى كما قال لقمان لابنه: إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:12].

فالظلم هو وضع الشيء في غير محله، والشرك بالله هو صرف شيء من العبادة إلى غيره تعالى، فهي إذن في غير محلها.

لذلك كله، كان التوحيد هو أوّل الدين وآخره، وباطنه وظاهره، وهو الذي لأجله خلق الخلق وأرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وأقيمت الدواوين، وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكافرين، وسعداء في جنة النعيم، وأشقياء في نار الجحيم، ويوضح ذلك كله أمور:

أولها: من فتح المصحف وأراد أن يعرف أول أمر لله تعالى فيه، لوجد أول أمر في القرآن هو الأمر بتوحيد رب العالمين حيث قال عز وجل: يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21]، ولو أراد أن يعرف أول دعاء يعلمنا الله إياه لوجده دعاء للتوفيق إلى التوحيد حيث يعلمنا الله أن نقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، فهذا أول دعاء وذاك أول أمر.

الأمر الثاني: هو أن التوحيد هو أول ما دعت إليه الرسل والأنبياء، فترى كلمتهم واحدة، ودعوتهم متحدة، كلها تنادي بتوحيد رب العالمين قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ [الأنبياء:25]، وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ [النحل:36]، وقال عز وجل: وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ءالِهَةً يُعْبَدُونَ [الزخرف:45]، فأول نبي إلى الأرض نوح عليه السلام يخبرنا الله تعالى عنه فيقول: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يَـٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:39]، وبعد هود يقول: ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ [الأعراف:65]، وصالح يقول: ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:72]، وقال شعيب: ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:85]، وقال إبراهيم لقومه: ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [العنكبوت:16]، ويعقوب يقول لبنيه: يَـٰبَنِىَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [البقرة:132]، ويوسف عليه السلام يقول وهو في السجن: يٰصَاحِبَىِ ٱلسّجْنِ ءأَرْبَابٌ مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءابَاؤُكُمْ مَّا أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَـٰنٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ ٱلدّينُ ٱلْقَيّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف:39، 40]، وموسى كليم الله يقول لقومه: أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ [الأعراف:140]، وعيسى عليه السلام يقول: يَابَنِى إِسْرٰءيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبّى وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72]، ثم جاء خاتم الأنبياء والمرسلين محمد فأكد دعوتهم، وأتم الله به رسالتهم فهو عاش للتوحيد وعلى التوحيد وبالتوحيد بآمر الله تعالى القائل له: قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ [الأنعام:14].

وقال هرقل لأبي سفيان يسأله عن النبي : ما يقول لكم؟ فقال: يقول: ((اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا)). لذلك عندما بعث النبي معاذًا إلى اليمن قال له: ((إنك تأتي قومًا أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله...)).

الأمر الثالث: كما كان التوحيد هو أول دعوة الرسل كان هو خاتمة دعوتهم، فانظر إلى إبراهيم كيف يوصي وبم يوصي ذريته قال تعالى: وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرٰهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَـٰبَنِىَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [البقرة:132].

ويعقوب بدوره يوصي عند موته بتلكم الكلمة الطيبة لا إله إلا الله فيقول تعالىمخبرًا عنه: أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِى قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:133].

وكذلك كان حال نبينا حين حضرته الوفاة، وهو في سكرات الموت يعالج آلامها وشدائدها ويقول: ((إن للموت لسكرات))، لا يمنعه ذلك كله أن يقول: ((لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) ثم يغمى عليه، ثم يفيق ويقول: ((لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ألا إني أنهاكم عن ذلك))، ثم يغمى عليه ويفيق مرة أخرى ويردد ما يقوله . ابتدأ دعوته بالتوحيد، وعاش لأجل التوحيد، وها هو يموت ويوصيكم بالتوحيد، فهلا سارعنا إلى تطبيق وصيته ووصية إخوانه من الأنبياء والمرسلين.

أسأله تعالى أن يوفقنا إلى الحياة على توحيده والوفاة على توحيده، وأن يلهمنا القدرة على محو الشرك وتنديده، إنه ولي ذلك والقادر عليه.


الخطبة الثانية

الحمد لله الذي رضي الله لنا الإسلام دينا، وهدانا إلى توحيده وبين سبيله تبيينا، وكفى بربك هاديًا ومعينا. وأشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له في ربوبيته وإلهيته، تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالحق شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فقد ذكرنا لكم ثلاثة أمور توضح لنا أهمية توحيد الله رب العالمين، ذلكم يتلخص في كون التوحيد هو أول أمر لله تعالى في كتابه، وأنه أول ما تدعو إليه الرسل وآخر ما تنادي به.

الأمر الرابع: هو أن العلم والشهادة بأن لا إله إلا الله هو أول واجب على الإنسان إذا بلغ سن التكليف، وهو أول ما يدخل به الإسلام وآخر ما يخرج به من الدنيا، وها هو قوله يدل على ذلك: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) رواه مسلم، كما قال : ((من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)). فالتوحيد أول واجب وآخر واجب.

الأمر الخامس: من يتصفح القرآن الكريم، ويتدبر كلام الله العظيم يجد آياته كلها تدور في فلك الدعوة إلى التوحيد، وتأتي على الشرك بالإبطال والتنديد، لأن القرآن إما خبر عن الله سبحانه وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهذا يمثل توحيد الربوبية والأسماء والصفات، وإما دعوة إلى عبادته وحده وطاعته ونبذ من دونه وهذا هو توحيد الألوهية والعبادة. وإما تراها خبرًا عن إكرامه لأهل توحيده وطاعته وما يكرمهم به في الدنيا والآخرة من الحسنى والثواب، وإما خبر عن أهل الشرك وما فعله الله بهم في الدنيا من النكال وما يحل بهم في الآخرة من الوبال وهذا جزاء من خرج عن توحيده. ومما يزيد ذلك وضوحًا الأمر السادس.

وهو أعظم شيء تفزع عند ذكره القلوب، ألا وهو أن انعدام التوحيد بارتكاب ناقض من نواقض الإيمان عقابه الخلود الأبدي في النار نعوذ بالله منها، فمن أشرك بالله شيئًا من عبادة أو ذبح أو نذر أو طواف أو غير ذلك فجزاؤه الخلود في النار ولا تنفعهم شفاعة الشافعين.

وهناك أمور أخرى غير ما ذكرناه لولا خشية الإطالة لسردناه، إلا أن في هذا ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

وقد يقول قائل: ولماذا تحدثنا عن الشرك؟ هل ترانا مشركين؟ هل ترانا نعبد غير رب العالمين؟ والجواب عن ذلك أننا نقول:

إن التوحيد لا يعني أبدًا عبادة الله، بل هو عبادة الله وحده لا شريك له والكفر بمن هو دونه، فلا يمكن ولا يصح إيمان أحد من الناس حتى يكفر بما عدا الله تبارك وتعالى، لذلك كانت كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" أولها نفي وآخرها إثبات، نفي الألوهية عن غير الله، وإثبات وحصر الألوهية فيه سبحانه، قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ [البقرة:256]، فهل كفرت بمن هو دون الله؟ هل تعرف ما هي نواقض التوحيد؟

فإن لم تكن تدري فعليك إذن المسارعة إلى معرفتها. وإن كنت تدري فعليك المسارعة إلى الحذر والتحذير منها.

فكم من أناس ينتسبون إلى الإسلام يصلون ويصومون، ويتصدقون ثم يرون أعمالهم يوم القيامة هباء منثورا لأجل ما ارتكبوه من شرك في عباداتهم. أليس هذا هو الخسران المبين؟! يقول الله تعالى مخاطبًا نبيه: وَلَقَدْ أُوْحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ [الزمر:65].

0 التعليقات:

إرسال تعليق