صلاة الجمعة: أهميتها وآدابها

ملخص الخطبة

1- الحديث عن صلاة الجمعة. 2- آداب يوم الجمعة: تعظيم يوم الجمعة، التزين والتنظف، التبكير إلى الصلاة، قراءة سورة الكهف، الإكثار من الصلاة على المصطفى ، الإكثار من الدعاء. 3- ما ينبغي اجتنابه.


الخطبة الأولى

أما بعد: فإن من المواضيع التي ينبغي ألا نضرب عنها صفحا والتي لها عُلقة وطيدة بالصلاة موضوع صلاة الجمعة التي يعتبر الحديث عنها أولى ما يشغل المسلمين، وأحق ما يسعون إلى فهمه وتعلم أحكامه.

صلاة الجمعة إذا نطق بها المسلم لم ينصرف ذهنه إلا إلى الركعتين اللتين نصليهما وقت الزوال، وكأنه ليس في هذا اليوم صلاة غيرها.

ونحن لا نريد اليوم أن نحدثكم عن ذات الصلاة، ففرضيتها معلومة لدى كل مسلم عاقل، وأن من ترك الجمعة لغير عذر فتح على نفسه بابًا من أبواب الكبائر التي يعاقب لأجلها في الدنيا بموت القلب، وفي الآخرة بغضب وعذاب الرب، أما في الآخرة فالأمر واضح لكل مسلم، وأما في الدنيا فليعلم أن رسول الله قال: ((من ترك ثلاث جمع تهاونا من غير عذر طبع الله على قلبه)).

وإنما نريد أن نحدثكم عن يوم الجمعة الذي فضله الله تعالى وعن بعض آدابه:

1- الأدب الأول: هو تعظيم هذا اليوم الذي عظمه الله تعالى، فكما نعلم لله خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص، ففي الأزمنة فضل شهر رمضان من بين سائر الشهور، وفضل ليلة القدر من بين سائر الليالي، وفضل عشية عرفة من بين سائر العشي، وفضل يوم الجمعة من بين سائر الأيام.

فقد روى مسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة)).

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة مرفوعًا: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، وهذا يومهم الذي فُرِض عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فهم لنا فيه تبع، فاليهود غدًا، والنصارى بعد غد)).

((نحن الآخِرون)) أي: في الزمان والوجود وإعطاء الكتاب.

((السابقون)) في الفضل ودخول الجنة يوم الآخرة.

شرع الله لليهود والنصارى يومًا من أيام الأسبوع فضلوا حين فضل اليهود يوم السبت والنصارى يوم الأحد، وهدى الله المسلمين ليوم الجمعة، فحق لكل مسلم أن يحتفل بهذا اليوم لأنه عيده كما في معجم الطبراني عن أبي هريرة مرفوعًا: ((يا معشر المسلمين، هذا يوم جعله الله لكم عيدا)).

فما موقف المسلمين تُجاه هذا اليوم؟ أماتوه فأقبروه في مقابر الغفلة والجهل والنسيان، فجعلوه يومًا تغلق فيه جميع مرافق المسلمين طوال اليوم، وتلبس فيه أقبح الملابس، فبعدما كان الرجل منّا يذهب طوال الأسبوع إلى مكان عمله بأحسن ملابسه لمقابلة مديره وزملائه تراه يأتي في يوم عيد المسلمين ليقابل ربه بلباس النوم أو الرياضة وكأن هذا اليوم لا يستحق تعظيمًا ولا تفخيمًا.

وقد نجح أعداء الله في محو هذا التعظيم من صدور المسلمين حتى إن بعضهم يصرّح تصريحًا بأنّ أثقل يوم عليه في الأسبوع هو يوم الجمعة. وبهذا تنقلب الحقائق وتنمحي المبادئ فيصبح الحق باطلاً والباطل حقًا، فترك هذا اليوم العظيم وعظّمت أيام ما أنزل الله في فضلها من سلطان، فهذا يحتفل بيوم المولد وذاك يحتفل بمولد المسيح، وهذا يعظم الأعياد الوطنية، ولم يبق إلا أن نحتفل بيوم وفاة بوذا وماركس وكونفوشيوس، إلى أن نحتفل بجميع الأيام إلا يوم عيد المسلمين الذي فضله رب العالمين.

هذا هو الأدب الأول في حق هذا اليوم العظيم.

2- ويؤكده الأدب الثاني: اعلموا ـ عباد الله ـ أنه يستحبّ لكم استحبابًا مؤكدًا إذا حضرتم صلاة الجمعة أن تكونوا على أحسن حال من النظافة والزينة، فيغتسل المسلم في هذا اليوم ويلبس أحسن ما لديه ويتطيب بالطيب ويتنظف بالسواك وفي ذلك عدة أحاديث:

أ- روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: ((الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن، وأن يمس طيبا إن وجد)).

ب- وروى أحمد مرفوعًا: ((حق على كل مسلم الغسل والطيب والسواك يوم الجمعة)).

ج- عن عبد الله بن سلام أنه سمع رسول الله يقول على المنبر: ((ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته)) رواه أبو داود وابن ماجه.

د- ومن حرِص على هذه الخصال نال مغفرة الله سبحانه، كما جاء في صحيح البخاري عن سلمان الفارسي مرفوعًا: ((لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)).

3- الأدب الثالث: التبكير لصلاة الجمعة، فقد روى الشيخان عن أبي هريرة مرفوعًا: ((من اغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرّب بدنّة ـ أي: ناقة ـ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرّب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرّب كبشًا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)).

ولنعلم أن أوّل سنة تركت في الإسلام هي ترك التبكير إلى المساجد، كما علينا أن نعلم أيضًا أنّ الملائكة تقف بباب المسجد ومعها السجلات تكتب روّاد صلاة الجمعة، فإذا صعد الإمام على المنبر وأخذ المؤذن يؤذن طوت الملائكة صحائفها، فاعلم ـ يا عبد الله ـ أنّك بتأخرك هذا تحرم نفسك من الأجر العظيم الذي لا يعلمه إلا الله.

4- الأدب الرابع: قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، فقد روى الحاكم عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: ((من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له النور ما بين الجمعتين)).

5- الأدب الخامس: الإكثار من الصلاة على رسول الله ، فعن أوس بن أوس مرفوعًا: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ))، قالوا: يا رسول الله، كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أَرِمت؟! فقال: ((إنّ الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء)). رواه أصحاب السنن.

والسر في ذلك، أن يوم الجمعة ما كان أفضل الأيام إلا للأجر العظيم فيه في الدنيا والآخرة، والذي دلّنا عليه هو محمد ، فالوفاء كل الوفاء أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم.


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين، وأشهد أن محمدًا رسول الله سيد الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وأصحابه الطيبين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا. أما بعد:

6- الأدب السادس: الإكثار من الدعاء يوم الجمعة، لأن بها ساعةً من ساعات الإجابة، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي أنه قال: ((إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه)).

هذه الآداب الستة ينبغي لكل مسلم أن يحرص عليها ما دامت سوق العبادة والتجارة مع الله قائمة، تعظيم يوم الجمعة، والتطهر والتطيب ولبس الحسن والسواك، والتبكير، وقراءة سورة الكهف، والإكثار من الصلاة على النبي ، والإكثار من الدعاء.

ثم اعلموا أن هناك أمورًا ينبغي للمسلم اجتنابها لأنها حرام منقص للأجر:

1- عقد أي عقد من عقود البيع أو الإجارة أو غير ذلك أثناء خطبة الجمعة، وهذا محل إجماع لقوله تعالى: فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ [الجمعة:9].

2- الكلام أو الانشغال بأي شيء عن سماع الخطبة وعن متابعة الإمام، فيحرم الكلام ورد السلام في هذا الوقت، ففي صحيح مسلم: ((إذا قلت لصاحبك: "أنصت" يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت))، وقال: ((من مس الحصى فقد لغا)).

إذًا فليتق الله كل حاضر للجمعة، فلا يتكلم بشيء، ولا ينشغل بشيء إلا في ثلاث حالات.

الأولى: إذا دخل المسجد متأخرًا ووجد الإمام على المنبر فليركع ركعتين تحية للمسجد وليتجور فيهما.

الثانية: إذا سمع الإمام يصلي على رسول الله أو يدعو فله أن يصلي على رسول الله ويؤمّن، لأن ذلك من تمام متابعة الإمام.

الثالثة: إذا كلمه الإمام أو أراد أن يكلم هو الإمام.

وما عدا ذلك فيحرم فعله أثناء الخطبة.

3- تخطي الرقاب رقاب الجالسين والتفرقة بينهم لقوله للذي رآه يتخطى رقاب الناس: ((اجلس فقد آذيت)).

كل هذه الآداب ـ عباد الله ـ ينبغي للمسلم أن يحرص عليها لأن الله ربكم يرضاها لكم ويستحبها لكم، وهي من الإحسان وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134]، وهي من الإيمان والصدق والله يقول: ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ [التوبة:119]، وهي من التقوى والله يقول: إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ [التوبة:4]، وإذا أحب الله عبده كان سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سأله ليعطينه، ولئن استعاذه ليعيذنه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق