الصلاة مجلبة للرزق

ملخص الخطبة

1- سبب اختيار هذا الموضوع. 2- المقصود الأول والأسمى هو عبادة الله تعالى. 3- مصيبة إضاعة الصلاة من أجل الدنيا. 4- ربط الرزق بالصلاة في كتاب الله تعالى. 5- الجنة أعظم عطاء. 6- أسعد الناس بالجنة المصلون.


الخطبة الأولى

أما بعد: فلقد رأينا معكم في الخطبة السابقة ثمرة عظيمة من ثمرات الصلاة، ألا وهي تأييد الملائكة للمصلين خاصة، ونود اليوم أن نتحدث معكم عن ثمرة لا تقل أهمية عن تلك، ثمرة يجب على كل مسلم أن يعلمها ويجعلها نصب عينيه، ألا وهي أن الصلاة من أعظم أبواب الرزق.

نختار هذا الموضوع اليوم لأن كثيرًا من المسلمين يضيع الصلاة ويخرجها عن وقتها ويعتذر عن فعله ذاك أنه في وقت عمل، والعمل عبادة، ويسرد عليك محاضرة من محاضرات الشيطان الرجيم.

ونسي هذا المسكين أن الصلاة أم العبادات ولبها، لا تسقط بعبادة أخرى ولا تؤخر، إذ سبق وأن بينا أن الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام ليس عذرًا لتأخير الصلاة عن وقتها.

واستمعوا ـ إخوتي الكرام ـ إلى هذا الحديث العظيم الذي كان في أول الأمر قرآنًا يتلى ثم رفعه الله، وهو ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن أبي واقد الليثي قال: كنا نأتي النبي إذا أنزل عليه فيحدثنا، فقال لنا ذات يوم: ((إن الله عز وجل قال: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون إليه ثان، ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب)).

فلنعلم جميعًا أن المقصود من خلق الجن والإنس هو عبادة الله وحده لا شيء غير ذلك، وإنما كانت بقية الأشياء وسيلة يستخدمها الجن والإنس للطاعة، لكن الإنسان جهل أو تجاهل ذلك كله، فغاص في بحار المادية، كل ذلك لأجل الوادي الأول، فكيف بالواديين والثلاثة؟!

كم يفوت أولئك من الخشوع في الصلاة بسبب هذا السعي الزائد، ولم يقف الأمر عند إضاعة الخشوع فحسب، بل تجاوزه إلى إضاعة الصلوات.

وإن المحافظة على الصلاة هو أعظم سبب لتحصيل الرزق الحسن، وأن كل رزق يأتي عن تضييع الصلاة إنما هو رزق مبتور عن كل بركة وعن كل خير. واستمع إلى قوله عز وجل كيف يقرن بين العبادة والرزق: وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ [الذاريات:56-58]، فخضوعك تحت راية العبودية هو السبب المباشر لنيل الرزق.

وأهم مظاهر العبودية التي تحقق لك ذلك الصلاة، واستمع جيدًا للنصوص الآتية ترَ العجب في كيفية ربط الرزق بالصلاة:

1- قال تعالى: وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوٰجًا مّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلوٰةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ [طه:131، 132].

فانظر ولا تحرم نفسك من فقه الوحي، كيف بين الله أن الرزق الحسن لا طريق إليه إلا إقام الصلاة والصبر عليها وأمر الأهل بها، الصلاة خاصة دون جميع العبادات الأخرى، لأنها الشفاء الوحيد من وباء المغريات وداء الملذات التي تصد عن الله.

2- وقال تعالى: وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:37]، فلولا صلاة مريم في المحراب ومداومتها عليها لما نالت هذا الرزق الذي دهش له نبي الله زكريا.

3- وعندئذ ـ وهو النص الثالث ـ أدرك زكريا هذه الحقيقة وأن الصلاة سبيل الرزق الحسن، فقال تعالى: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبّ هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ ذُرّيَّةً طَيّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَاء [آل عمران:38]، كيف رزقه الله تعالى يحيا؟ وأين بشره بذلك؟ فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَـئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّى فِى ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ ٱللَّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدّقًا بِكَلِمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ وَسَيّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيّا مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ [آل عمران:39]، فلم يرزقه بولد كسائر الأولاد، بل لأجل صلاته رزقه سيدًا حصورًا نبيًا من الصالحين.

فقصة مريم بشرى لكل من قدر عليه رزقه فعاش فقيرا من المال، وقصة زكريا بشرى لكل من حُرم الولد فعاش عقيمًا، فليحرص هذا وذاك على صلاته، وليصبر عليها يكرمه الله تعالى بالأموال والأولاد اللذين يعتبران زينة هذه الحياة إذ قال تعالى: ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلْبَـٰقِيَاتُ ٱلصَّـٰلِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً [الكهف:46].

فما دامت الصلاة هي التي تجلب المال المبارك والولد المبارك فمن العيب أن يشغلك المال والولد عن ذكر الله، والصلاة أعظم مظهر لدين الله، يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوٰلُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ [المنافقون:9].

والأمر الذي يوضح هذه الخسارة هو النص الرابع:

4- وهو ما رواه مسلم عن ابن عمر، وابن حبان عن نوفل بن معاوية أن النبي قال: ((من فاتته صلاة العصر فكأنما وُترِ أهله وماله)) وُتِرَ أي: قُتِلَ له أهله وفقد ماله.

كيف شعورك ـ أخي الكريم ـ عندما تفقد ابنك العزيز الغالي؟ وكيف يكون ألمك؟ وكيف يكون حزنك عندما تفقد أهلك ومالك معًا؟

ألمٌ مفجع، وحزن موجع، وأكبر من ذلك كله أن تفقد صلاة، واحدة تخرجها عن وقتها بغير عذر، والعكس يتبين لكم إذن، فالذي يحافظ على صلاته يبارك الله له في ماله وأهله، وإن في هذا لذكرى لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد.


الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل الصلاة جالبة للرزق الحسن، وجعلها منهاة عن دنيا السوء والعفن، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أذهب عنا بالصلاة كل هم وحزن، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله جعلت له الصلاة راحة وسكن، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وجمعنا وإياهم في جنّات عدن.

أما بعد: فاعلموا ـ عباد الله ـ أن أعظم عطاء من الله هو الجنة، تلك الدار التي ناح لأجلها النائحون، وبكى لأجلها الباكون، وقنت لأجلها القانتون، وبذل نفوسهم لأجلها المجاهدون، أحظى الناس بها وبرزقها هم المصلون، يدل على ذلك النصّ الخامس:

5- قال تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوٰتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا [مريم:59]، وعيد وذم شديد لمن يضيع الصلاة ثم قال: إِلاَّ مَن تَابَ وَءامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئًا [مريم:60] أي: إلا الذين انتهوا عن إضاعة الصلاة، فما ثوابهم فيها؟ ما جزاء من أقام الصلاة حق إقامتها؟ قال تعالى: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم:62]. انظر ذلك الربط العجيب بين الصلاة والرزق، قال العلماء: ليس في الجنة صباح ولا مساء، إنما البكرة والعشي هنا كناية على أن أهل الجنة لا ينفد رزقهم طوال اليوم ويساق لهم كل حين.

فأبشر أيها المصلي، فصلاتك تجلب الرزق لك في الدنيا والآخرة.

وتأملوا كيف كان رسول الله يعلم أصحابه أهمية الصلاة وأنها أكبر سبب للرزق في هذا النص السادس:

6- وهو ما رواه أبو يعلي بسند صحيح عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله بعثًا فأعظموا الغنيمة وأسرعوا الكرة، فقال: يا رسول الله، ما رأينا بعثًا قط أسرع كرة ولا أعظم غنيمة من هذا البعث! فقال: ((ألا أخبركم بأسرع كرة منهم وأعظم غنيمة؟ رجل توضأ فأحسن الوضوء، ثم عمد إلى المسجد فصلى فيه الغداة، ثم عقب بصلاة الضّحوة، فقد أسرع الكرة، وأعظم الغنيمة)).

عباد الله، نصوص من كتاب الله وسنة رسول الله تتلى عليكم، كلها تبين بيانًا واضحًا لا لبس فيه أن الصلاة من أعظم أسباب الرزق ، ولا تغتروا بكثرة الهالكين، ولا تستوحشوا من قلة السالكين، قال تعالى: لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى ٱلْبِلَـٰدِ مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ [آل عمران:196، 197]، وافقهوا هذه النصوص، ولنحذر أن نكون مثل قوم شُعيب حيث كان ينهاهم عن الكسب الخبيث والإنقاص من الكيل والوزن: قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِى أَمْوَالِنَا مَا نَشَـٰؤُا [هود:87]، فبين أن الصلاة هي التي تجلب الرزق الحسن وتنهى عن الكسب الخبيث: قَالَ يٰقَوْمِ أَرَءيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّى وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا [هود:88]، لكنهم مثل كثير من الناس اليوم لا يفقهون معنى الصلاة فقالوا: يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مّمَّا تَقُولُ [هود:91]، لأنهم ارتبطوا بالماديات أكثر مما ارتبطوا بالصلوات فحسبنا الله ونعم الوكيل

0 التعليقات:

إرسال تعليق