حكم النّعي عبر المواقع والمنتديات للشّيخ أبي يزيد المدني حفظه الله

حكم النّعي عبر المواقع والمنتديات للشّيخ أبي يزيد المدني حفظه الله

نصّ السّؤال:

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فهذا جواب الشّيخ الجليل، والأخ الفضيل أبي يزيد سليم بن صفيّة حفظه الله تعالى، عن سؤال كنت قد سألته إيّاه - السائل فضيلة الشيخ عبد الحليم حفظه الله - عن حكم النّعي – وهو الإشهار بموت أحدٍ من

النّاس – عبر المنتديات والمواقع:

فما حكمه ؟ وما الضّابط المبيح له ؟

نصّ الجواب: فأجاب حفظه الله قائلا:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:

...................................... أقول وبالله التوفيق:

فقبل الإجابة عن السؤال يتوجّب تحرير المراد بالنعيّ في الاستعمالات اللغوية والشرعية, ومن ثمّ بيان حكم كل نوع منها, وذلك بشيء من التحرير والإيجاز.

أولاً: المراد بالنعي:

النعي يطلق على الإخبار بموت الميت وإذاعة ذلك.

ويطلق أيضاً على ما قد يصاحب ذلك من قول كتعداد مناقب الميت، أو فعل كشق الجيوب وضرب الخدود.

قال ابن الأثير في " النّهاية ": ( نعى الميت ينعاه نعياً، ونِعِياً، إذا أذاع موته، وأخبر به، وإذا ندبه ).

فالنّعي من جهة المعنى واحد؛ وهو الإعلام والإخبار بموت الميّت, ولكن تختلف وسيلة هذا الإخبار - ومن ذلك وسيلة الانترنت والمنتديات, ورسائل الجوالات-,

وتتعدّد صوره.

ثانياً: حكم النعي.

وهو لا يخلو من الحالات الآتية: بحسب صوره ووسائله.

أما من حيث صوره فإنه تندرج تحته حالتان:

أولاً: إما أن يكون هذا الإعلام مجرداً: من كلّ قول -كالثّناء على الميّت-، أو فعل - كالنّياحة وشقّ الجيوب -.

فقد ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز الإعلام بالموت من غير نداء؛ لأجل الصّلاة عليه.

بل ذهب جماعة من العلماء إلى استحباب ذلك.

واستدلوا بما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى

فصف بهم وكبر أربعاً
.

واستدلوا أيضاً بما أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد أو شاباً، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها أو عنه.

فقالوا: مات، فقال : (( أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتَمُونِي )).

أمّا النّهي الوارد عن النّعي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إِيَّاكُمْ وَالنَّعْيَ، فَإِنَّ النَّعْيَ مِنْ عَمَلِ الجَاهِلِيَّةِ ))، فإنّه لا

يعارض ما تقدّم من أدلة الجواز:

- لأنّ الحديث ضعيف فيه محمد بن حميد الرازي, وأبو حمزة ميمون الأعور قال الترمذي: ليس بالقوي عند أهل الحديث. وقد ضعفه العلامة الألباني-رحمه

الله-, وشيخنا العلامة عبد المحسن العباد-حفظه الله- في شرحه الترمذي.

والحديث أيضاً روي مرفوعاً، وموقوفا،ً والموقوف: أصح, كما قال الترمذي.

- وعلى فرض صحة رفعه فإنه محمول إما: على الكراهة كما قال الإمام النووي.

- أو أن المقصود بالنعي المنهي عنه هو نعي أهل الجاهلية.

ثانياً: إذا كان النعي مصحوباً برفع الصوت ونحوه:

فقد ذهب جمهور العلماء إلى كراهته, لأنه من نعي أهل الجاهلية.

أما من حيث وسائل النعي, فهي كثيرة متعدّدة, الذي يعنينا ههنا, هو النعي عبر المنتديات, والمواقع الالكترونية, والصحف والمجلات.

فهو لا يخلو أن يكون إعلاناً مجرداً أو إعلاناً غير مجرد.

ولا يخلو أيضاً أن يكون قبل الصلاة على الميت أو بعده.

فإنْ كان الإعلانُ قبل الصّلاة مجرّداً عن نداء، ورفع صوت، وليس فيه تفجّع على الميّت، ولا إعظام لحال موته، ولا تسخّط فيه، ولا ضجر، فإنّ ذلك جائز، لا

سيما إذا كان الميت ممّا يهمّ النّاس أمرُه وحالُه، أو كان له شأن ومكانة في الإسلام أو نفع علم. ولا بأس أن يقترن بالإعلان ثناء يسير مطابق للواقع يرغِّب في

الدعاء له والصلاة عليه.

ويدل لهذا نعيُ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم النّجاشي في اليوم الذي مات فيه، ففي صحيح مسلم من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( مَاتَ عَبْدٌ للهِ صَالِحٌ أَصْحَمَةُ، فَقَامَ فَأَمَّنَا وَصَلَّى عَلَيْهِ )).

- أمّا إن كان الإعلان عن الموت بعد الصّلاة عليه، فإن كان لمجرّد الإعلام بالموت فالظّاهر أنّه من النّعي المنهيّ عنه؛ لأنّ الصّحف وشِبْهُها من الوسائل

الإعلامية، هي أقرب ما تكون لمجامع الناس ومنتدياتهم في العصر الأول.

سئل شيخنا ابن عثيمين رحمه الله في حكم التّعزية في الجرائد, ونحوها, فقال:

" التّعزية بالجرائد: أخشى أن تكون من النّعي المذموم، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن النّعي، والغالب أنّ المقصود بالتّعزية في الجرائد

الإعلان عن موت هذا الرّجل الّذي يعزّى به، وإلاّ فيمكن للمعزِّي أن يكتب كتاباً لأهل الميت أو يتصل بهم بالهاتف ويغني عن
الإعلان ".

[" مكتبة الفتاوى " فتاوى نور على الدّرب نصّية "الجنائز " موقع الشّيخ رحمه الله].

- ويتأكّد النّهي والتّحريم إذا كان الخبر متضمّناً لما يثير الأحزان ويهيج على البكاء، أو كان متضمناً الشهادة بالجنة للميت أو ما يفهم منه ذلك ككتابة بعضهم في

خبر الوفاة, فإن مثل هذا محرم لا يجوز.

- أمّا إن كان الإعلام بالموت بعد الصلاة على الميت لمصلحة معتبرة شرعاً كإبراء ذمة الميّت، وما أشبه ذلك فإنّ هذا جائز لا بأس به؛ لما فيه من المصلحة.

قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في فتوى له:

" وأمّا الإعلان عن موت الميت فإن كان لمصلحة مثل أن يكون الميت واسع المعاملة مع الناس، بين أخذ وإعطاء وأعلن موته لعلّ أحداً يكون له حقّ عليه

فيقضى أو نحو ذلك فلا بأس
".

ومما سبق، يمكننا أن نستشفّ بعضاً من الضّوابط المرعية في النّعي الجائز, وهي:

1- أن يكون الغرض من النعي مشروعاً, كالصلاة على الميت ومواساة أهله وتعزيتهم, فإن كان الغرض الفخر والتعاظم والتعظيم لذلك الميت فإنه هذا من نعي

أهل الجاهلية.

2- أن يكون النعي مجرّداً عن كل قول مخالف, كتعداد مناقب الميت، أو فعل كشق الجيوب وضرب الخدود.

3- أن لا يكون النعي متضمناً لما يثير الأحزان ويهيج على البكاء، أو كان متضمناً الشهادة بالجنة للميت.

4- أن تكون وسيلة النعي مشروعة, ويخرج من ذلك النعي عبر الوسائل الجماهرية كالصحف والمجلات والمنتديات, فإنه تشرع بضوابط تقدّم ذكرها.

هذا والله تعالى أعلم

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعل آله وصحبه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق