الظلم

ملخص الخطبة

1- الظلم من الكبائر. 2- معنى الظلم. 3- أنواع الظلم. 4- حرمة الظلم وعقوبته. 5- وعيد الله للظالمين.


الخطبة الأولى

أما بعد: فإن من الكبائر التي أجمعت على ذمّها الأديان والتي حاربها الإسلام على مرور الأزمان "الظلم".

الظلم الذي قال عنه النبي : ((اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)) رواه مسلم.

الظلم الذي حرّمه الله على نفسه وجعله بين عباده محرمًا.

الظلم الذي يدل على ظلمة قلب صاحبه، وأنه في ساعة ظلمه حرمه الله من نوره، فيصبح لا يميز بين الأشياء، فيضعها في غير موضعها، وهذا هو تعريف الظلم: هو التعدّي بوضع الأمور في غير موضعها.

واعلموا أن الظلم ثلاثة أنواع:

1- أعظمها وأبشعها وأقبحها وأكبرها ظلم الله عز وجل، وذلك بأن يشرك به غيره، قال تعالى: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:12]، فالشرك ظلم لأنه وضع للعبادة في غير موضعها، وقد بينا فيما سبق الشرك ومظاهره وأنواعه العملية والقلبية.

2- النوع الثاني: ظلم العباد بعضهم لبعض، فكل معصية في حق العبد من ضرب وقذف وغيبة ونبز وهجر وغير ذلك هي من الظلم.

3- النوع الثالث: ظلم العبد لنفسه، وذلك بالمعاصي والآثام التي تعود بالضرر على نفسه.

لذلك أوصانا رسول الله وصيّة جامعة في كيفية التعامل مع الله عز وجل ومع النفس ومع العباد، وذلك في الحديث الذي رواه الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)).

فقوله: ((اتق الله حيثما كنت)) فيه الإرشاد إلى الإتيان بحقوق الله تعالى.

وقوله: ((وأتبع السيئة الحسنة تمحها)) فيه الإرشاد إلى حق النفس ومعاملتها.

وقوله: ((وخالق الناس بخلق حسن)) تضمن الإرشاد إلى الابتعاد عن الظلم.

وكما سبق أن بيّنا صور ومظاهر الشرك، فإننا سنشرع في بيان مظاهر ظلم العباد بعضهم لبعض، فإن الظلم لا يسلم صاحبه في الدنيا ولا في الآخرة، بل إن الله تعالى حكم أن المظلوم لا يردّ دعاؤه ولو كان كافرًا لقوله لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى نصارى اليمن: ((واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب))، بل إن العلماء قالوا: "إن الله لينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة المسلمة إذا كانت ظالمة".

واستمعوا إلى الحديث العظيم الذي يرويه الإمام مسلم عن أبي ذر الغفاري أن رسول الله قال فما يرويه عن ربه عز وجل: ((يا عبادي، إني حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا. يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم. يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي، كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم. يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا. يا عبادي، لو أن أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخرم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه)).


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليّ الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام الأنبياء، وسيد الأتقياء، وأشرف المرسلين، أما بعد:

فإن الله عز وجل قد قضى أن الظالم له الخزي في الدنيا والعذاب الأليم يوم القيامة، ذلك لأنه سبحانه كثيرًا ما يقول: وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ [آل عمران:57]، فإذا لم يحب الله عبده كتب عليه الذل والخزي والصّغار. فسارع أيها الظلوم لأخيك بالتوبة النصوح.

فإنني أنادي قلوبكم عباد الله، وأنادي كل من كان له مظلمة لأخيه: بادر بالتوبة إلى الله، وسارع إلى مغفرته وجنته، واحذر من عاقبة الظلم:

أمـا والله إن الظلـم لـؤم وما زال المسيء هو الظلوم

إلى ديّـان يوم الدين نمضـي وعند الله تجتمـع الخصـوم

ستعلم في الحسـاب إذا التقينا غدا عند الإلـه من الملـوم

تنـام ولم تنم عنـك المنايـا تنبّـه للمنيـة يـا نـؤوم

لهوت عن الفن،اء وأنت تفنى ومـا حي على الدنيا يدوم

يكفي وعيدًا قوله تعالى: وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ [آل عمران:57]، ما عساك تفعل إن كان الله لا يحبك؟!

يكفي وعيدًا قوله تعالى: وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ [آل عمران:86]، فإننا نعاني من قسوة القلوب والبعد عن الطمأنينة التي يتمتع بها المسلم، فلنراجع أنفسنا ولنتأمل هذه الآية وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ، كيف تطمع في الهداية وأنت تظلم غيرك بالشتم واللطم والغيبة والقذف والهجر والمماطلة في الديون؟! كيف تطمع في الهداية وأنت تشتم الناس لأتفه الأسباب؟! كيف تطمع في الهداية وأنت تضرب زوجك لأتفه الأسباب؟! كيف يهدي الله قومًا يظلمون الوالدين ويستهزئون بالمؤمنين؟! ورحم الله عبدًا راجع نفسه، فوالله ما أصيب العبد بمصيبة إلا بذنب ارتكبه، ولن يرفع الله البلاء إلا بالتوبة.

أما من طغى وآثر البقاء على ظلمه للناس في أعراضهم وأموالهم وأنفسهم فإننا نتركه لله الذي قال وقوله الحق: وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].

إذا ما ظالم استحسن الظلم مذهبا ولجّ عتوًا في قبيـح اكتسابـه

فكِلْـه إلى صرف الليـالي فإنها ستبدي له ما لم يكن في حسابه

فكـم قد رأينـا ظالمًـا متمردا يرى النجم تيهًا تحت ظل ركابه

فعمّـا قليـل وهـو في غفلاته أناخت صروف الحادثات ببابه

فأصبح لا مـال له ولا جاهٌ يرتجى ولا حسنـاتٌ تلتقى في كتابه

وجوزي بالأمر الذي كان فاعلاً وصبّ عليه الله سوط عذابـه

0 التعليقات:

إرسال تعليق