علامات الساعة الكبرى (المسيح الدجال)

ملخص الخطبة

1- التحذير في نسيان العظة والعبرة في غمرة الحديث عن أشراط الساعة. 2- من علامات النبوة ظهور مدعي النبوة. 3- المسيح الدجال وبعض صور فتنته. 4- قرب ظهور المسيح الدجال.


الخطبة الأولى

عباد الله، فلا زلنا نتحدث عن علامات الساعة التي ثبتت عن صاحب الوسيلة والشفاعة، رأينا ما يقارب سبعَ عشرة آية: بعثته وموته ، ونار تخرج من أرض الحجاز، وتوقف الخراج والجزية، ثم فشو الزنا وشرب الخمر، وكثرة الفتن، وانتشار الجهل ورفع العلم، وتطاول الناس في البنيان، وأن تلد الأمة ربَّتها وتضييع الأمانة، ثم تسليم الخاصة وقطع الأرحام، وفشو التجارة وظهور القلم، وتداعي الأمم على هذه الأمة. وهناك علامات أخرى لم نشأ الوقوفَ طويلاً عليها، ككثرة الزلازل ورفع البركة من الزمان وغيرها كثير، إلا أنه أخشى ما أخشاه هو أن تمرَّ علينا هذه الأخبار من غير اتعاظ ولا اعتبار، ومن غير استعداد للقاء الواحد القهار. فيا عبد الله ماذا أعددت للساعة؟ بم ستقابل الله جل وعلا لو ناداك بعد ساعة؟ فإياك ثم إياك أن تغفل عن الاستعداد ليوم المعاد.

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث، أضحكني مؤمّل للدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك بملء فيه وهو لا يدري أسخط الله أم أرضاه. وأبكاني ثلاث، أبكاني فوات الأحبة محمدٍ وصحبه، وهول المطلع عند غمرات الموت، والوقوف بين يدي الله تعالى)، ذلك يوم التغابن، يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا وَيُحَذّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَءوفُ بِٱلْعِبَادِ [آل عمران:30].

تزود مـن معاشك للمعاد وقم لله واعمل خيـر زاد

ولا تجمع من الدنيـا كثيرا فـإن المال يجمـع للنفاد

أترضى أن تكون رفيق قوم لهم زاد وأنت بغيـر زاد؟!

فالعلامات التي نذكرها ليست من قبيل قصص ألف ليلة وليلة ولا نوادر كليلة ودمنة، إنما هي آيات، وَمَا نُرْسِلُ بِٱلاْيَـٰتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا [الإسراء:59].

ونختم حديثنا عن علامات الساعة الصغرى بعلامة خطيرة، ألا وهي ظهور الكذابين والدجالين.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا تقوم الساعة حتى يُبعث دجالون كذابون، قريبا من ثلاثين، كلّ يزعم أنه نبي)) رواه البخاري ومسلم، وعن ثوبان مرفوعاً: ((وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، ولا نبي بعدي)) رواه الترمذي.

وصدق رسول الله ، فقد خرج منهم عدد كثير في الماضي، ولا يزالون يخرجون إلى اليوم.

ففي عهد الصحابة خرج مسيلِمة الكذاب باليمامة، والأسود العَنْسي باليمن، وطُليحة الأسدي بالحجاز، وسجاح الكاهنة بتغلب، جعلهم الله فتنة للعباد، فأضلوا كثيراً عن سبيله. وفي عصر التابعين خرج المختار الثقفي، وفي كل عصر يخرجون، حتى إنه منذ قرن من الزمان ظهر الدجال الحسين بن علي عباس بإيران مدعياً النبوة، ولقِّب ببهاء الله وأتباعه هم المعروفون بالبهائية. وبعده ظهر بالهند الدجال ميرزا غلام أحمد القادياني وادعى النبوة بتحريض من انكلترا فأضل خلقاً كثيراً، ولا يزال أتباعه المعروفون بالقاديانية إلى اليوم أكثر الفرق الكافرة انتشاراً في أوروبا.

وآخر من سمعنا ادعى النبوة هو الدجال الزنديق محمود محمد طه السوداني الذي أضل خلقاً كثيراً كذلك بمقالاته وخطاباته، حتى أعدمته الحكومة السودانية عام 1985م ولله الحمد. وكل ذلك مصداق حديث رسول الله .

إلا أن أكثر الدجالين فتنة وأعظمهم بلاء وأكبرهم تضليلاً على الإطلاق هو الدجال الأكبر: المسيح الدجال.. المسيح الدجال الذي يخرج في آخر الزمان وهو من علامات الساعة الكبرى.

فالمسيح الدجال هو أعظم فتنة تعرفها البشرية على الإطلاق، ويوضّح خطورته أحاديث منها:

ما جاء في صحيح مسلم عن عمران بن حصين أن رسول الله قال: ((ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أكبر من الدجال))، من أجل ذلك نرى جميع الأنبياء من لدن نوح عليه السلام إلى محمد حذّروا أقوامهم من فتنته. ففي صحيح البخاري عن ابن عمر قال: قام رسول الله في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال: ((إني لأنذركموه، وما من نبي إلا أنذره قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه...)) وفي البخاري ومسلم عن أنس مرفوعاً: ((ما بُعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب))، وفي سنن ابن ماجه عن أبي أمامة مرفوعاً: ((إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال، وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال، وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم، وهو خارج فيكم لا محالة)).

فمن المسيح الدجال؟ ولم سمي بذلك؟

يقول ابن الأثير: "سمّي الدجال مسيحاً لأن عينه الواحدة ممسوحة، والمسيح الذي أحد شقي وجهه ممسوح، لا عين له ولا حاجب، فهو فعيل بمعنى مفعول، بخلاف المسيح عيسى فإنه فعيل بمعنى فاعل، سمّي كذلك لأنه كان يمسح المريض فيبرأ بإذن الله. والدجال هو الكذاب، سمي الدجال من الدجل، وهو التغطية لأنه يغطي الحق بباطله".

إذا عرفتم ذلك فما فتنة المسيح الدجال؟

اعلموا أن هذا الكذاب سوف يدّعي الربوبية لا النبوة فقط، فيُظهر الله على يديه خوارق مما يساعده على إظهار باطله، حتى إن الرجل ليكون على يقين أن أمره باطل وأنه لن يخدعه، فبمجرد أن يرى ما عنده من مخاريق يتبعه، ففي سنن أبي داود عن عمران بن حصين مرفوعاً: ((من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه)).

فمن خوارق العادات التي تظهر على يديه:

* سرعة انتقاله في الأرض، ففي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان أن النبي سئل عن إسراع الدجال في الأرض فقال: ((كالغيث استدبرته الريح)) فلا يترك بلدا إلا دخله إلا مكة والمدينة تلقاه الملائكة بالسيوف صلتةً، كما في سنن ابن ماجه.

* له جنة ونار، أي: معه نهر من ماء ونهر من نار، والواقع خلاف ذلك، فإن ماءه هو ناره، وناره هي ماؤه كما في صحيح مسلم، قال النبي : ((فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه نارا فإنه ماء عذب طيب)). ومن فتنه كذلك:

* استعانته بالشياطين، لا شك لديكم أن الشياطين لا تعين إلا من كان على غاية الإفك والضلال، والدجال على رأسهم، فعن أبي أمامة قال: قال رسول الله : ((إن من فتنة الدجال أن يقول للرجل: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أني ربك؟ فيقول نعم. فيتمثل له الشيطان في صورة أبيه وأمه فيقولان له: يا بني اتبعه فإنه ربك)). ومن فتنه العظيمة:

* أنه يقتل شاباً ويحييه، فحين يريد أن يدخل المدينة، يخرج إليه شاب هو يومئذ خير الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حذرنا منه رسول الله ، فيقول الشاب الدجال: أرأيتم إن قتلته ثم أحييته هل تشكّون في أمري؟ فيقولون: لا. فيقتله ثم يحييه، فيقول الشاب: والله ما ازددت إلا يقينا أنك المسيح الدجال، فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلّط عليه. فيقذف به في النار وإنما ألقاه في الجنة. قال رسول الله : ((هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين)) رواه مسلم.

هذه هي فتنة المسيح الدجال.. تصوروا ـ عباد الله ـ لو خرج فينا هذه الأيام، والأحوال تتغير بسرعة، جهل كبير، وحبّ مال كثير، والقلوب ضعيفة، والشبهات خطافة، فهل سنصمد أم نتبعه؟! اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك.



الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين، صلـى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين، وصحابته الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فقد ذكرنا في أول الخطبة حديث رسول الله حين قال: ((وإنه ما من نبي إلا حذر قومه الدجال، وإني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه...)) الحديث. فما هذا الذي يريد أن يقوله ؟، ما أرحمه بأمته، فقد بيّن لنا صفات الدجال لنعرفه، وذكر لنا وقت ومكان خروجه.

ففي صحيح البخاري عن ابن عمر مرفوعاً في وصف الدجال: ((رجل جسيم، أحمر، جعد الرأس، أعور العين، كأن عينه عنبة طافية)) أي: ليس فيها ضوء فلا يرى بها. وفي رواية أحمد: ((فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم تبارك وتعالى ليس بأعور، وأنكم لن تروا ربكم تبارك وتعالى حتى تموتوا)). ومن صفاته أيضاً، أنه مكتوب بين عينيه كافر، كما في صحيح البخاري وفي رواية لغيره: ((بين عينيه ك ف ر يقرؤه كل مؤمن))، ومن صفاته أيضاً أنه لا عقب له فلا ولد له كما في صحيح مسلم.

أمّا زمان خروجه فقد قرُب، واعلموا أنه حيّ منذ قديم الزمان حتى إن رسول الله شك في أحد الغلمان اليهود الذين سكنوا المدينة وهو ابن صياد اسمه صائف، ولا يزال علماء المسلمين إلى اليوم مختلفين فيه، هل هو المسيح أو غيره. واستدل جمهور العلماء على أنه غيره بحديث صحيح عظيم عجيب، تقشعر له الأبدان، وتشيب له الولدان، ألا وهو حديث تميم الداري رضي الله عنه في صحيح مسلم، فاسمعوا جيداً إلى هذا الحديث.

عن فاطمة بنت قيس قالت: سمعت نداء المنادي منادي رسول الله ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله ، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ((ليلزم كل إنسان مصلاه))، ثم قال: ((أتدرون لم جمعتكم؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((إني ـ والله ـ ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر، ثم أرفؤوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم، انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، قال: لما سمت لنا رجلا فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا وأشده وثاقا مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهرا ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعا وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة، فقال: أخبروني عن نخل بيسان، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم، قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر، قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر، قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم، قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج، فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها))، قالت: قال رسول الله وطعن بمخصرته في المنبر: ((هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة))، يعني المدينة ((ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟)) فقال الناس: نعم، ((فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشأم أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق، ما هو))، وأومأ بيده إلى المشرق، قالت: فحفظت هذا من رسول الله .

وسنكمل الحديث عن المسيح الدجال، وكيف يقضي عليه المسيح عيسى عليه السلام في خطبة لاحقة، ونسأل الله عز وجل أن يثبتنا على دينه وعلى طاعته.

0 التعليقات:

إرسال تعليق