ملخص الخطبة | |||
1- التسليم على الخاصة دون عامة الناس. 2- فشو التجارة. 3- فشو الكتابة وقلة العلم. | |||
الخطبة الأولى | |||
أما بعد: فقد رأينا في الخطبة الأخيرة جملة من أشراط الساعة التي ذكرها لنا رسول الله وبقيت هناك جملة من أشراط الساعة الصغرى التي ظهرت وهي أمامنا كل لحظة وحين، منها ما رواه الإمام أحمد عن ابن مسعود أن رسول الله فبين يدي الساعة تسليم الخاصة، وهو أن لا يسلم المسلم إلا على من يعرفه، كما في الحديث الآخر: ((إن من أشراط الساعة إذا كانت التحية على المعرفة)) وهذا أمر مشاهد لا ريب في وقوعه. وهذا خلاف ما أمرنا الله تعالى به، فقد قال وفشوّ التجارة، وهذا أمر لا يجهله أحد، فإن التجارة اليوم انتشرت انتشار الهواء، وانظروا إلى قوله وقطع الأرحام، وهذه هي الطامة التي عمتنا جميعاً، فقبل سنوات لم تكن هذه الخصلة الذميمة معروفة لدى المسلمين، فقد كان الأقارب يرى بعضهم بعضاً كل حين، يسأل هذا عن هذا، وذاك عن ذاك جسد واحد، قلب واحد، تسامح، إخاء... أين ذلك الآن؟! فاحذر ـ يا قاطع الرحم ـ من قوله وظهور القلم، ما معنى ظهور القلم؟ معناه كثرة الكتابة في آخر الزمان حتى تبلغ الذروة، والناظر اليوم في مكتبات العالم الإسلامي ليعجب أشدّ العجب من كثرة الكتب المنتشرة على الساحة الإسلامية وغيرها، فتقام المعارض الكبرى في أنحاء العالم حتى لا يمكنك الاطلاع والإحاطة بما فيها، وتذكروا جيداً ـ عباد الله ـ العلامة التي رأيناها في الخطبة السابقة ألا وهي رفع العلم، سبحان الله! كيف هذا؟ ظهور القلم ورفع العلم في آن واحد؟! هذا ينبئ عن شيء خطير وشر مستطير، ألا وهو أن كثرة انتشار العلم والكتب لا يسمن ولا يغني من جوع، علم بلا عمل. شعوبك في شرق البلاد وغربها كأصحاب الكهف في عميق سباتِ بأيماننـا ذِكران: نـور وسنة فما بالنـا في محالك الظـلمات؟! ولا تتعجبوا إن قلنا لكم: إن أكبر دور النشر والتوزيع والطباعة في بيروت مثلاً أصحابها نصارى، يطبعون كتب الحديث والتفسير وغير ذلك طلباً للمال، لأنهم علموا أن هذا العلم المبثوث في الكتب لن يبرح مكانه، سيبقى بين الدفّتين، كلام بلا عمل، ليس له رجال يحملونه إلى أرض الواقع. ورحم الله الإمام عبد الحميد بن باديس عندما سئل: لماذا لم تكثر من تأليف الكتب؟ قال: "شُغلت بتأليف الرّجال عن تأليف الكتب"، ولله درّ الإمام الأوزاعي القائل: "إن الله إذا أراد بقوم سوءاً أورثهم الجدل، وأبطأهم عن العمل". نريد رجالاً ـ أيها الناس ـ أفذاذاً يحبون الله ويحبهم، يؤثرون الدين على شهواتهم، يضحون فيبذلون الغالي والنفيس من أجل نشر دعوة الإسلام، كلٌ بحسبه؛ الغني بماله، والعالم بعلمه، والعامل بعمله. سئمنا الكلام، فهو سهل، واللسان لا يتعب إذ لا عظم فيه، نريد العلم مع العمل. وها هي خطب الجمعة تقام كل أسبوع بما يعادل اثنتين وخمسين خطبة سنوياً، تقام في آلاف المساجد في البلد الواحد، فأين الثمار؟ أين النتيجة؟ اعلموا أننا أصبنا في ديننا فلم نفهمه. يـا ويح من بات للدّين يحسبه وقتـاً يصام وأوقاتـاً يصلّيها وإنمـا الدين إيمان وتضحيـة وعـزةٌ تنشر الدنيـا وتطويها | |||
![]() الخطبة الثانية | |||
الحمد لله واهب الحياة وسالبها، باعث الأرواح وقابضها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلقنا من تراب وإليه يرجعنا، ومن التراب إذا شاء يبعثنا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أطال الحديث عن الموت وشدته، وعن يوم الحساب وكربته، فنبّه العباد من غفلتهم وخلّصهم من حيرتهم، أما بعد: فمن علامات الساعة تداعي الأمم على هذه الأمة، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله وقد وقع هذا عبر التاريخ أكثر من مرة، عندما تكالبت الأمم الصليبية على غزو هذه الأمة، وعندما اجتاح التتار العالم الإسلامي فأكثر فيه الفساد والدمار، ولم تظهر هذه العلامة كما ظهرت في القرن الأخير، فقد اجتمع الصليبيون واليهود والملاحدة على هدم الخلافة الإسلامية ثم جزَّؤوا ديارها وأقطارها وتقاسموها فيما بينهم. وأين المسلمون؟ أين المليار والأبعمائة مليون مسلماً؟ إنهم أمام التلفاز، إنهم في المقاهي، إنهم في الملاعب، إنهم في الملاهي، غثاء كغثاء السيل، أكثر ضياعاً من الأيتام على مأدبة اللئام، ولا تزال قوى الشر متداعية إلى اليوم لتدمير هذه الأمة التي لم تغن عنها كثرتها، وما علة كل ذلك يا رسول الله؟ ((حب الدنيا وكراهة الموت)). أبكي على واقع الإسلام من كمد وأزفر الآه تلو الآه من ألم واللهِ الذي فرض علينا محبته، لو أحببنا الله حق محبته وقدرناه حق قدره لاتخذنا موقفاً من الآن أن ننبذ الدنيا الفانية وراء ظهورنا، ونشتغل بإصلاح أمر ديننا، وهذا هو العهد الذي قطعناه لربنا يوم قلنا: لا إله إلى الله. يقولون: مع أي الفريقين تضلع فلم يبق للصبر والإحجام موضع؟ فقلت: أما والله ما في قلوبنـا لغير جلال الله والحق موضـع فقد تصبح الدنيا لإبليس شيعةً ونحـن لغـير الله لا نتشـيـع فأين إذن عهـدٌ قطعناه لربنـا بأننـا له دون الـبرية خضّـع؟ بل نحن جند الله بعناه واشترى فلا هو يعفـينا ولا نحن نرجع |
علامات الساعة الصغرى (2)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق