الدّرس 7

الدّرس السّابع من شرح " نظم الورقات "

( تابع: الأحكام الوضعيّة )

3- الشّرط: هذا الحكم الثّالث من الأحكام الوضعيّة.

لغة هو العلامة. ومنه قوله عزّ وجلّ:{ فَقَدْ جاَءَ أَشْراَطُهاَ فَأَنىَّ لَهُمْ إِذاَ جاَءَتْهُمْ ذِكْراَهُمْ }.

أماّ اصطلاحا فهو: ( ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم ).

فالوضوء شرط لصحّة الصّلاة، فيلزم من عدمه انعدام الصّلاة، لكن لا يلزم من وجوده وجود الصّلاة ولا عدمها، فقد يتوضّأ المكلّف ولا يصليّ.

فخرج بقولنا:" يلزم من عدمه العدم ": المانع؛ فهو يلزم من وجوده العدم.

وخرج بقولنا:" ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم ": السّبب؛ فإنّه يلزم من وجوده الوجود.

[ فائدة]

زاد بعضهم قيدا في التّعريف فقال: ( وكان خارجا عن حقيقة الفعل )؛ليخرج الرّكن.

فالشّرط والرّكن يتّفقان في كونهما كليهما يتوقّف عليهما وجود الشيء، ويفترقان من حيث كون الرّكن جزءا من حقيقة الشّيء، أماّ الشّرط فلا.

والصّحيح أنّ هذا القيد غير لازم، غاية ما في الأمر أنّ الشّرط نوعان:

شرط من ماهية الشّيء، وهو الرّكن.

وشرط ليس من ماهيته. فكلّ ركن شرط، وليس كلّ شرط ركنا، والله أعلم.

*****

4- السّبب : هذا هو الحكم الرّابع من الأحكام الوضعيّة.

لغة: هو ما يُتَوَصَّل به إلى غيره، كالحبل، والطّريق، ومنه قوله تعالى ذكره:{ فلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلىَ السَّماَءِ }.

أماّ اصطلاحا فهو: ( ما يلزم من وجوده الوجود، ومن عدمه العدم ).

فقولنا:" يلزم من وجوده الوجود " خرج به الشّرط والمانع، لأنّ الشّرط يلزم من عدمه العدم، والمانع يلزم من وجوده العدم.

فدلوك الشمس سبب لوجوب الصّلاة، وعدم دلوكها سبب لعدم وجوبها.

والنّسب والنّكاح سببان من أسباب للميراث، وانعدامهما سبب في انعدام الميراث.

[ فائدة ]

كثيرا ما يطلق السّبب على العلّة، والفرق بينهما أنّ العلّة تكون دائما مناسبة للحكم، يدركها المكلّف.

أماّ المناسبة إذا كانت خفيّة لا يدركها العقل فتسمىّ سببا فحسب لا علّة، فكلّ علّة سبب وليس كلّ سبب علّةً.

* مثال على المناسبة التي تسمىّ علّة وسببا: السّفر لإباحة الفطر في رمضان، والإسكار لتحريم الخمر، والصِّغر للولاية على الصبيّ، ففي هذه الأمثلة يدرك العقل وجه المناسبة.

* ومثال على السّبب الذي لا يسمّى علّةً: دلوك الشّمس لوجوب صلاة الظّهر، فهذا لا يدرك معناه.

** ** **

5- المانع: هذا خامس الأحكام الوضعيّة وآخرها:

المانع لغة هو الحاجز والفاصل، فالحصن مانع من دخول العدوّ.

واصطلاحا هو: ( ما يلزم من وجوده العدم ).

فقولنا:" يلزم من وجوده العدم " أي: متى وجد المانع تخلّف الحكم، فخرج بذلك السّبب؛ لأنّه يلزم من وجوده الوجود.

وخرج الشّرط؛ فإنّه يلزم من عدمه العدم.

فالحيض مثلا مانع من الصّلاة، فمتى وجد الحيض تخلّف الحكم وهو الصّلاة.

والقتل والردّة والرق كلّها موانع من الميراث، فمتى وجد أحدها تخلّف الحكم وهو توريثهم.

* * *

تعريف الـعـلـم:

قال رحمه الله تعالى:

وَالعِلمُ لَفْظٌ لِلْعُموُمِ لَمْ يُخَصْ
وَعِلْمُناَ مَعْرِفَةُ المَعْلوُمِ
وَالجَهْلُ قُلْ: تَصَوُّرُ الشيءِ عَلىَ
وَقيِلَ : حَدُّ الجَهْلِ فَقَدُ العِلْمِ
بسيِطُهُ فيِ كلِّ ماَ تَحْتَ الثَّرى
وَالعِلْمُ إِماًّ بِاضْطِراَرٍ يَحْصُلُ
كَالمُسْتَفاَدِ بالحَواَسِ الخَمْسِ
وَالسَّمْعِ والإِبْصاَرِ، ثُمَّ التاَّليِ

بِالفِقْهِ مَفْهوُماً، بَلْ الفِقْهُ أَخَصْ
إِنْ طاَبَقَتْ لِوَصْفِهِ المَحْتوُمَ
خِلاَفِ وَصْفِهِ الذيِّ بِهِ عَلاَ
بِسيِطاً أو مُركَّباً قَدْ سُمِيّ
تَرْكيِبُهُ فيِ كُلِّ ماَ تُصُوِّراَ
أو اكْتِساَبٍ حاَصِلٌ، فَالأَوَّلُ
بِالشَّم أَو بِالذّوقِ أَوْ بِاللَّمْسِ
ماَ كاَنَ مَوْقوُفاً عَلىَ اسْتِدْلاَلِ

لقد سبق أن رأينا تعريف النّاظم للفقه بقوله:

( وَ الفِقْهُ عِلْمُ كُلِّ حُكْمِ شَرْعِيّ ………………. )

فبدأ بتعريف قيود التّعريف، فعرّف الأحكام الشّرعيّة.

وناسب ذلك أن ينتقل إلى تعريف العلم، وذكر أقسامه، وبيان مراتبه، وذكر ما يقابله.

- أمّا تعريف العلم:

فقد ذكر العلماء للعلم تعريفاتٍ عدّةً، وأحسنها - كما في " إرشاد الفحول " -:

( هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافا تامّا ) أو هو: إدراك الشّيء على ما هو عليه.

وقول النّاظم رحمه الله قريب من هذا، إلاّ أنّهم عابوا عليه ذكرَه للمعرَّف في التّعريف؛ إذ قال:( وَعِلْمُنَا مَعْرِفَةُ المَعْلُوم ) فلا يمكن معرفة معنى المعلوم إلاّ بمعرفة العلم، فهو دور.

- والفقه لغة وفي عرف السّلف مرادف للعلم - كما سبق بيانه -، فكلّ منهما يشمل جميع الفنون: فقها، أو توحيدا أو سلوكا أو غير ذلك.

أما الفقه في الاصطلاح فهو أخصّ من العلم، لذلك قال النّاظم:

( وَالعِلمُ لَفْظٌ لِلْعُموُمِ لَمْ يُخَصْ بِالفِقْهِ مَفْهوُماً، بَلْ الفِقْهُ أَخَصْ )

- ويقابل العلمَ " الجهلُ "، وتعريفه الجامع: ( هو انتفاء العلم بالمقصود ).

فإن لم يدرك أصلا فهو: الجهل البسيط.

وإن أُدرك على خلاف ما هو عليه في الحقيقة فهو الجهل المركّب، وسمّي مركّبا لأنّ فيه جهلين: جهلا بالمُدرَك، وجهلا بأنّه جاهل.

· مثال عن الجهل البسيط: قولنا للمرء: متى كان فتح مكّة ؟ فيقول: لا أدري.

ومثّل له النّاظم بالجهل بكلّ ما تحت الثّرى - أي: الأرض - من معادن ومخلوقات، فالأصل أنّ الإنسان لا يدري عن ذلك شيئا.

· ومثال عن الجهل المركّب: قولنا للمرء: متى كان فتح مكّة ؟ فيقول: كان سنة 10 هـ. فهذا جهل مركّب فإنّه يظنّ أنّه يعلم وهو لا يعلم، لذلك قال الناظم: ( تَرْكِيبُهُ في كُلِّ ما تُصُوِّرَا ) أي: في الأمور المتصوّرة خطأً.

لذلك كان التعريف الأوّل الذي ذكره النّاظم رحمه الله للجهل قاصرا، إذ قال:

( وَالجَهْلُ قُلْ: تَصَوُّرُ الشيءِ عَلىَ خِلاَفِ وَصْفِهِ الذيِّ بِهِ عَلاَ )

فإنّه يشمل المركّب فحسب، أمّا التّعريف الثّاني الذي ذكره فقد جمع النّوعين معا.

وكما أنّ الجهل قسمان، فالعلم كذلك قسمان:

- أقسام العلم:

قسّم العلماء العلم إلى قسمين: ضروريّ، ونظري.

· فالعلم الضّروري: ما لا يحتاج في تحصيله إلى نظر واستدلال.

· والعلم النظري: ما يحتاج في تحصيله إلى نظر واستدلال.

- فمن أمثلة الأوّل: العلم بأنّ الواحد نصف الإثنين في العقليات، والعلم بأنّ الحادث لا بدّ له من مُحدِث.

والعلم بأنّ الصّلاة واجبة في الشّرعيات.

- وتمثيل النّاظم رحمه الله للعلم الضّروري بأنّه ( المستفاد بالحواس الخمس ) حَجْرٌ في موضع السَّعة، فلا يتعلّق العلم الضّروريّ بالمادّيات فقط، بل يشمل أيضا كثيرا من مسائل العقيدة، كمعرفة الله عزّ وجلّ.

نعم، هذا لا يمنع حصولها أحيانا بالنّظر في حقّ من فسدت فطرته.[ انظر " درء تعارض العقل مع النّقل " (7/353 )]

- ومن أمثلة العلم النّظري: كثير من الأحكام الفقهية والعقدية، كقولنا: إنّ الزكاة واجبة في مال الصبّي، وإنّ أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء، هذا في الفقه. وفي العقائد قولنا: إنّ الإيمان هو القول باللّسان والاعتقاد بالجنان والعمل بالأركان، وهكذا.

فضابط العلم النّظريّ: كلّ ما يحتاج إلى نظر واستدلال.

- إذن فما هو الاستدلال ؟

هذا ما سيأتي النّاظم رحمه الله على ذكره إن شاء الله في الأبيات التّالية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق