الدّرس 4

الدّرس الرّابع من شرح " نظم الورقات "

تتمّة في الواجب:

أقسام الواجب:

يقسّم علماء الأصول الواجب إلى أربعة أقسام باعتبارات مختلفة وهي:

1)- الواجب باعتبار وقته:

فهو إمّا مطلق أو مقيّد.

- فمن أمثلة الواجب المطلق: الحجّ، والعمرة، وقضاء صوم رمضان على قول، والوفاء بالنّذر غير المحدّد.

فكلّ ذلك واجب، لكنّ أوقاته لم تقيّد ولم تعيّن، فهي واجبات مطلقة.

- ومن أمثلة الواجب المقيّد: الصّلوات الخمس، وصوم رمضان.

والواجب المقيّد إن اتّسع فموسّع، وإلاّ فمضيّق.

والموسّع: هو الوقت الّذي يكون أكثرَ من مقدار الفعل، بحيث يبقى منه لأداء عبادة من جنسه، كالصّلوات الخمس مثلا.

والمضيّق: هو ما يكون الوقت فيه بمقدار الفعلِ، بحيث لا يتسع الوقت لأداء عبادة من جنس ذلك الواجب، كصوم رمضان مثلا.

وثمرة هذا التّقسيم: أنّ الإثم يلحق من أخرج الواجب عن وقته.

2)- الواجب باعتبار مقداره:

ينقسم إلى مقدّر، وغير مقدّر.

فمن المقدّر: الصّلوات الخمس، والزّكاة، والدّيات.

ومن غير المقدّر: وجوه النّفقة على الأقارب.

وثمرة هذا التقسيم: هو معرفة أنّ الواجب المقدّر يثبت دينا في الذمّة بخلاف الثّاني.

· مثال عن ذلك:

يجب الإنفاق على الجار الجائع، وذي الرّحم المحتاج، للنّصوص الكثيرة في الأمر بذلك، ولكن لو فوّت المكلّف على نفسه ذلك، فإنّه لا يثبت ذلك دينا في ذمّته.

· مثال آخر: اختلف الحنفيّة والشّافعية في حكم نفقة الزّوجة، هل تثبت في ذمّة الزّوج ؟

فالحنفيّة على أنّها لا تثبت فتسقط، وأمّا الشافعية بناء على تقديرها بحسب العُرف وحال الزّوج فتبقى دينا ثابتا في ذمّة الزوج، وهو الصّحيح إن شاء الله.

3)- الواجب باعتبار ذاته:

ينقسم إلى معيّن ومخيّر أي: غير معيّن.

· فالمعيّن: هو ( ما طلبه الشارع بعينه من غير تخيير )، كالصّلاة، والصّوم، وردّ المغصوب إن كان قائما.

حكم هذا النّوع: أنّه لا تبرأ ذمّة المكلّف إلاّ بفعله بعينه.

· وغير المعيّن: ما طلبه الشارع لا بعينه، كالتخيير في كفّارة اليمين بين الإطعام أو الكسوة أو العتق، وكتخيير الإمام بين المنّ أو الفداء في الأسرى إذا أثخن في الأرض.

وحكم هذا النّوع: أنّ ذمّة المكلّف تبرأ بفعل أي واحد من الواجبات، لذلك يسمّى " مخيّرا ".

4 ـ الواجب باعتبار فاعله:

ينقسم إلى واجب عينيّ، وواجب كفائي.

· فالعينيّ: ما يُطلب من كلّ واحد بذاته.

حكمه: أنّه يجب على كلّ مكلّف فعلُه، ويأثَم بتركه.

· والكفائيّ: هو ما يطلب لا من كلّ واحد بذاته.

حكمه: إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وإن لم يقمْ به أحدٌ أثم القادر عليه.

( فائدة ) في معرفة ضابط الواجب العينيّ من الكفائيّ:

ما كان المقصود به الفاعل فهو عينيّ، وما كان مقصودا به الفعل فحسب فهو كفائي.

لذلك كان مذهب من ذهب إلى وجوب صلاة الجماعة وجوبا عينيّا أقوى من مذهب من ذهب إلى أنّها واجبة وجوبا كفائيّا، لأنّ المقصود من مشروعيّتها هو أن يكون المصليّ مع الجماعة لا تحصيل الجماعة فحسب

ويدلّ على أنّ المقصود هو كون المكلّف مع الجماعة قوله تعالى في صلاة الخوف:]وَلْتَأْتِ طَائِفَةُ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلوُّا مَعَكَ[، ولو كانت فرض كفاية لاكتفى الشّارع بالجماعة الأولى لحصولها، والله أعلم.

وسنتكلّم عن بعض المسائل المتعلّقة بالواجب في باب الأمر، إن شاء الله تعالى.

(2)- المـنـدوب:

هذا هو الحكم الثاني من الأحكام التّكليفية " النّدب ".

النّدب لغة: هو الدّعاء إلى الفعل، والمندوب اسم مفعول منه أي: المدعوّ إليه. ومنه ندب الميت، وقول الشاعر في مدح قبيلته:

( لا يسألـون أخاهم - حين يندبهم في النّائبات - على ما قال برهانا )

أمّا اصطلاحا: فالنّدب هو طلب الفعل من غير إلزام.

- فخرج بقولنا:" طلب الفعل ": الحرام، والمكروه.

- وبقولنا:" من غير إلزام " الواجب.

- أماّ المباح فلم يدخل في الحدّ؛ لأنّه لا يطلب.

هذا هو حدّ النّدب، أمّا ما ذكره النّاظم، فإنّه حكم.

ثمّ ينبغي أن يقال هنا أيضا في حكمه: ما يثاب فاعله امتثالا، كما سبق بيانه في الحديث عن الوجوب.

( مسألتان ):

* المسألة الأولى: في مراتب المندوب:

اعلم أنّ المندوب ليس نوعا واحدا وإنّما هو على مراتب:

1- المرتبة العليا: ما واظب عليه النبيّ r ولم يقم الدّليل على وجوبه، كسنّة الفجر، والوتر[1]، وسنن الرّواتب، وهذه المرتبة تسمىّ " سنّة مؤكّدة ".

2- المرتبة الوسطى:ما فعله النبيّ r تارة، وتركه تارة، كصوم الاثنين والخميس وصلاة الضّحى، ونحو ذلك.

3- المرتبة الثالثة: وهي ما يسمّى في اصطلاح الفقهاء بالفضيلة والرّغيبة، كآداب الأكل، والشّرب، والنّوم.

وثمرة هذا التقسيم أنّ المرتبة الأولى يلام تاركها إن طال تركه لها، حتّى إنّ العلماء كالإمام أحمد رحمه الله قال عن تارك الوتر:" إنّه رجل سوء لا تقبل شهادته ".

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمّن واظب على ترك السّنن الرّواتب ؟ فقال:" إنّ ذلك يدلّ على قلّة دينه، وتردّ شهادته[2]"، وبمثل ذلك قال الإمام النّووي رحمه الله.[3]

والله أعلم.



[1]/ على الصّحيح خلافا للحنفيّة.

[2]/" مجموع الفتاوى " (22/127).

[3]/" نضح الكلام في نصح الإمام " للعزّ بن عبد السّلام ص 36.

.

0 التعليقات:

إرسال تعليق