الدّرس 3

الدّرس الثّالث من شرح " نظم الورقات "

قال النّاظم رحمه الله:

باب أصول الفقه

هَاكَ أُصوُلَ الفَقْهِ لَفْظاً لَقَباً
فالأَوَّلُ (الأُصُولُ) ثُمَّ الثَّاني
فَالأَصْلُ ماَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بُنِي
وَالفِقْهُ عِلْمُ كُلِّ حُكْمٍ شَرْعِيّ

لِلْفَنِّ مِنْ جُزْأَيْنِ قَدْ تَرَكَّباَ
الفِقْهُ وَالجُزْءاَنِ مُفْرَدَانِ
وَالفَرْعُ ماَ عَلىَ سِواَهُ يَنْبَنِي
جاَءَ اجْتِهاَداً دُونَ حُكْمٍ قَطْعِي

الشّرح:

- قوله:" باب أصول الفقه ": أي: هذا باب أصول الفقه.

والباب في اللغة هو: ما يُوصِل إلى المطلوب حسّيا كان أو معنويّا، وقد قيل في مدحه r:

أنت باب الله، كلّ امرئٍ أتـاه من غيرك لا يدخل

وفي الاصطلاح: هو اسم لجملة من المسائل في فنّ معيّن.

وتضمّنت هذه الأبيات:

التّعريف بأصول الفقه:

فاعلم أنّ " أصول الفقه " له تعريفان:

الأوّل: باعتباره مركّبا تركيباً إضافياً.

والثاني: باعتباره عَلَماً لهذا الفنّ.

أوّلا: تعريفه باعتباره مركّبا تركيباً إضافياً: فهو مركّب من لفظين مفردين: الأوّل: مضاف، والثّاني مضاف إليه.

- وقوله: ( والجُزْءَانِ مُفْرَدَانِ ): هو من الإفراد المقابل للتّركيب، لا المقابل للتّثنية والجمع.

- و( الأَصْلُ ): هو ما بُنِي عليه غيره.

ويقابله ( الفرع ) وهو ما يَنبنيِ على غيره، وإنّما ذكر " الفرع " هنا استطرادا، وإلاّ فلا علاقة له بالتعريف.

- و( الفقه ) لغة: هو الفهم، ومنه قوله تعالى حكاية عن قوم شعيب عليه السّلام:]قَالُوا يَا شُعَيْبُ ماَ نَفْقَهُ كثِيراً ممّا تَقُولُ[.

أماّ اصطلاحاً فالفقه هو: العلم بالأحكام الشرعيّة العمليّة المستنبطة من أدلّتها التّفصيليّة.

فخرج بقولنا " الشرعيّة ": الأحكام العقليّة كقولنا:" الجسم لا يكون في مكانين "، وخرجت الأحكام التجريبية كقولنا: الحديد يمتد بالنّار، والأحكام اللّغويّة، كقولنا: يجب رفع الفاعل.

- وبقولنا " العمليّة ": خرجت الأحكام العقديّة.

- وبقولنا " المستنبطة ": خرج علم المقلّد، فهو غير مستنبَط، فلا يُسمّى فقيها ولا عالما.

كمـا خرج العلم الضّروري - على قول المصنّف - نحو العلم بـوجوب الصّلاة، وتحريم الزّنا، فهو معلوم بالضّرورة، لذلك قال النّاظم: ( دُونَ حُكْمٍ قَطْعِيّ ).

- وبقولنا:" أدلّتها التفصيلية ": المراد بالدّليل التّفصيلي هو النصّ ذاته، فخرجت الأدلّة الإجمالية كالكتاب، والسنّة، والقواعد العامّة الّتي يستدل بها، فهذه من أبحاث أصول الفقه لا الفقه.

هذا تعريف الفقه عند علماء الأصول.

أمّا الفقهاء فيعرّفون الفقه أنّه " حفظ الفروع مطلقاً أي سواء كانت بأدلّتها أو لا ".

وعند السّلف كان الفقه معناه العلم مطلقا بالمعنى اللّغوي، سواء العلم بالعقائد، أو الأحكام العمليّة، أو الأخلاق.

وتعريف الناّظم للفقه هو تعريف علماء الأصول، لأنّ نظمه متعلّق بهذا الفنّ، ولمّا كان الفقه هو العلم بالأحكام فقد شرع النّاظم رحمه الله في بيان الأحكام.

* * *

الأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّة

قال النّاظم رحمه الله:

وَالحُكْمُ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَماَ
مَعَ الصَّحِيحِ مُطْلَقاً وَالفَاسِدِ
د

أُبِيحَ، وَالمَكْرُوهُ مَعْ ماَ حُرِّماَ
مِنْ قاَعِدٍ هَذاَنِ أَوْ مِنْ عاَبِدِ

تعريف الحكم:

لغة: هو المنع، ومنه حكمة اللّجام؛ لأنّها تمنع الدابّة من الجري الشّديد.

والحكم اصطلاحا: هو إثبات أمر لآخر، إيجابا أو سلبا كقولنا: زيد ذاهب أو غير ذاهب.

تعريف الحكم الشّرعي:

هو خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين على وجه الطّلب، أو التّخيير، أو الوضع.

* والمراد بخطاب الله: كلامه عزّ وجلّ مباشرة - وهو القرآن -، أو بوساطة: وهو ما يرجع إلى كلامه سبحانه من سنّة أو إجماع وقياس صحيح وغير ذلك. وخرج بهذا القيد خطاب غير الشّارع إذ لا حكم إلاّ لله.

* وخرج بقولنا :" المتعلّق بأفعال المكلّفين " خطاب الله المتعلّق بذاته تعالى وأسمائه وصفاته، كقوله تعالى:]اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ[، وخرج خطاب الله المتعلّق بالجماد نحو قوله تعالى:]وَالشَّمْسُ وَ القَمَرُ بِحُسْباَنٍ[ فما يفهم من كلتا الآيتين لا يقال عنه:هو حكم شرعيّ.

* وخرج بقولنا:" على وجه الطلب أو التخيير أو الوضع " خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين على سبيل الإخبار.

*والمراد بقولنا:" الطّلب أو التخيير أو الوضع ": أنّ الحكم الشرعي قسمان:

أ) حكم تكليفيّ، ويتضمّن الطّلب والتخيير.

ب) وحكم وضعي يتضمّن الوضع.

والطّلب: إماّ أن يكون طلب فعل أو طلب ترك، وطلب الفعل إن كان بجزم سميّ: ( واجبا ) وإن كان بترجيح كان ( ندبا )، وطلب الترك إن كان جزما كان ( حراما )، وإن كان ترجيحا كان (كراهة).

والتخيير هو ( المباح ) فيكون الحكم التّكليفي مشتملا على خمسة أحكام.

أماّ الحكم الوضعي فهو يشمل الصّحيح والفاسد. وسنفصّل القول في كلّ حكم إن شاء الله.

الحُكْمُ التّكلِيفِي:

هو خطاب الشارع المتعلّق بأفعال المكلّفين على سبيل الطلب أو التخيير.

وهو خمسة أحكام كما مرّ: الوجوب، والنّدب، والحرمة، والكراهة، والإباحة.

1 ـ الواجب: قال النّاظم رحمه الله:

فَالوَاجِبُ المَحْكُومُ بِالثَّوَابِ

فِي فِعْلِهِ وَالتَّرْكِ بِالعِقَابِ

لغة: هو من وجب يجب وجوبا أي ثبت ثبوتا، ومنه قوله تعالى:}فـإِذاَ وَجَبَتْ جُنُوبُهاَ فَكُلوُا مِنْهاَ{، أي: ثبتت ولم تتحرّك.

اصطلاحا: هو كما قال النّاظم وصاحب الأصل بأنّه: ما ترتّب على فعله ثواب وعلى تركه عقاب.

والصّحيح أنّ هذا ليس حداّ وإنّما هو رسم، فالرّسم هو تعريف الشيء بحكمه، وقد عابه المناطقة، حتّى قالوا:

( وعندهم من جملة المردود أن تذكر الأحكام في الحدود )

أمّا حد الوجوب فهو :طلب الفعل على وجه الإلزام.

فخرج بقولنا:" طلب الفعل ": المحرّم والمكروه.

وبقولنا: " على وجه الإلزام ": خرج المندوب.

أمّا المباح فلم يدخل في الحدّ؛ لأنّه ليس طلبا.

تنبيه:

إنّ قولهم في حكم الوجوب :" يثاب فاعله ويعاقب تاركه " فيه نظر من وجهين:

الوجه الأوّل: ليس كلّ من فعل الواجب يثاب، لذلك ينبغي أن يقال:" هو ما يثاب فاعله امتثالا " أي امتثالا لأمر الشارع الحكيم.

الوجه الثّاني: الأولى أن يقال كذلك:" واستحقّ تاركه العقاب "، لأنّه قد يعفى عنه، وقد لا يلحقه الإثم أصلا لعذر كالإكراه والخطأ ونحوهما.




0 التعليقات:

إرسال تعليق