من مظاهر الظلم: الغناء (2)

ملخص الخطبة

1- أنواع الغناء المحرم بحسب سبب تحريمه. 2- بعض ألفاظ الغناء. 3- الغناء والاعتداء على الدين. 4- الفنانون والبطولة الزائفة.


الخطبة الأولى

أما بعد: فلقد رأينا في الخطبة الأخيرة حكمَ الغناء في الإسلام، وأنه حرام حرام، ذكرنا ذلك بالأدلة الثابتة الصحيحة الصريحة، من كتاب الله عز وجل ومن سنة المصطفى ، ثم من أقوال السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم. فما على المسلم الذي أسلم وجهه لله إلا أن يقول: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.

هؤلاء هم الذين خاطبناهم في اللقاء الأخير، أما أولئكم الذين يتبعون أهواءهم وأذواقهم فإننا نعلم يقيناً أن هذا الكلام لن يروق لهم أبداً، وصدق الله سبحانه وتعالى حين قال: وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَـٰوٰتُ وَٱلأَرْضُ [المؤمنون:71]. فـسلام عليكم لا نبتغي الجاهلين.

عباد الله، اعلموا أن الغناء المحرم في الإسلام نوعان:

الأول: نوع الكلام فيه مباح، خالٍ من الشركيات ومن الدعوة إلى الفحشاء وغير ذلك مما نعلم تحريمه في ديننا، لكنه مصحوب بآلات الطرب والمعازف، فحرم لأجل ذلك، وقد ذكرنا لكم أن الفقهاء متفقون على تحريم المعازف بنصوص الكتاب والسنة، فالعجب ممن يطرح هذه النصوص وراء ظهره، فيريد أن يستحل بعض الأغاني الشرقية والشعبية، وينسى بل يتناسى المعازف المصحوب بها!!

النوع الثاني من أنواع الغناء المحرم هو الغناء الذي اجتمع فيه الشر كله، فجمع بين آلات اللهو والعزف، وبين الكلام الذي أجمع واتفق العلماء على تحريمه، وإن تعجب فعجب كيف يقبله المسلمون، ويروج بينهم، ويردده الكبار والصغار، كيف ينتشر بينهم وهو:

يزين المحرمات ويأمر بالفسق والفجور، قال الفضيل بن عياض: "الغناء بريد الزنا".

يهيج النفس إلى السعي وراء الشهوات بعدما زينها.

يُفقد الإنسان مروءته وعدالته، وقد سئل الإمام مالك عن الغناء فقال: "إنما يفعله الفسّاق".

يلهي القلب ويصده عن ذكر الله حتى إن المدمن على الغناء يتلذذ بالغناء أكثر من تلذذه بمساع القرآن.

عباد الله، لن أحدثكم اليوم عن الأغاني التي تحريمُها ظاهر لكل ذي عقل ودين وخلق، كأغاني الغرب وأغاني الراي وما أشبهها، إنما سأحدثكم اليوم عن الغناء الذي أراد بعضهم أن يستحلَّه ويُروِّجَه بين المؤمنين، ويقولون: لا بأس به، كأغاني الشرق والشعبي الذي فتن الصغارَ والكبار.

اعلموا أن هؤلاء المغنين قد تعدّوا على حرمات الله تعالى، ولم يتركوا طاهراً إلا نجسوه، ولا عظيماً إلا حقروه، ولا سالماً إلا عطبوه. فنبدأ بذكر المخالفات العقدية أي: التي تمس أركان الإيمان، والتي يروجها على ألسنتهم الشيطان، فاستمعوا إلى ما يقولونه.

يقول أشقاهم:

جئت ولا أدري من أين ولكني أتيـت ولقـد أبصرت قـدامي طريقا فمـشيت

وسأبقى سائراً إن شئت هذا أو أبيـت كيف جئت وأبصرت طريقي لست أدري

أجديد أم قديم أنا في هـذا الوجـود؟ هـل أنا حـر طليق أم أسـيرُ في قيود؟

هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود؟ أتمنى أننـي أدري ولكـن لسـت أدري

ولــمـــاذا لـســـت أدري؟ لــســـــــت أدري ..... ....

أسمعتم ما يقوله هذا الشقي، ينكر كل أركان الإيمان، لا يدري من أين جاء، وإلى أين يذهب، وهل هناك قضاء وقدر. وغنت هذه القصيدة أم السموم، وتمنينا لما غنتها أن ينهض إليها الناس فيقولون لها: لا دريت، ولكن للأسف الملايين من الناس صفقوا لها، ولقبوها بأميرة الطرب وكوكب الشرق!! وآخر لقبوه بالنجم! وقلبوا الحقائق، وطمسوا المفاهيم، فنحن ليس لدينا في هذه الأمة كواكب إلا العلماء والعلماء فقط. كواكب أمتنا بعد رسول الله أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وابن عباس وغيرهم من الصحابة الذين نعتز بهم ونتقرب إلى الله بحبهم. نجومنا سفيان الثوري وابن عيينة وابن المبارك ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق والأوزاعي.

على كلٍ نجح الشيطان في أن يجعل المسلمين في هذا الزمان يرددون الكفر ويصفقون لذلك.

ويقول مغنو الشعبي: "الحرم يا رسول الله".. فيستغيثون بغير الله تعالى.. يستغيثون برسول الله الذي أمره الله تعالى أن يقول بأعلى صوته: قُل لا أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعًا وَلاَ ضَرّا إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ ٱلسُّوء [الأعراف:188].

ويأتي آخرون فيستغيثون بسيدهم أبي مدين وبلال والهواري وعبد الرحمن وغيرهم.. ماذا تركوا لله سبحانه وتعالى؟! اعتدوا على أهم خصائص الألوهية ألا وهي الدعاء.. وما موقف المسلمين تجاه هذا الكفر والشرك؟ نهضوا.. وقاموا.. وهزّوا أردافهم وبطونهم وأجسادهم يرقصون لهذا الكلام، وأقروا عين الشيطان الذي وجد ما وعد به حقاً يوم قال الله له: وَٱسْتَفْزِزْ مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ [الإسراء:64].

فما سمعناه عباد الله، إنما غيض من فيض من المخالفات الكثيرة والاعتداءات الكبيرة على دين الله تعالى، قد اعتدوا على ألوهية الله عزّ وجلّ، ولم يكتفوا بهذا حتى راحوا يعتدون كذلك على رسل الله، فقال أحمقهم وهو يصف صبره على فراق محبوبه: "أيوب ما صبر صبري!!" أيوب النبي الكريم عليه السلام من ربنا الكريم ما صبر صبر هذا العربيد اللئيم، ولكن العتب ليس عليه، إنما على من يستمع إليه ويعظمه.

واعتدوا كذلك على قضاء الله وقدره، حتى تسمعهم يتهمون الله بالظلم تعالى الله عن ذلك، فقال أطرشهم الفريد من نوعه: "ليه يا رب ليه، ليه الظلم ليه!!" وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ [فصلت:46].

واعتدوا على كتاب الله فلحن بعض مغني الشعبي سورة الفاتحة والمعوذتين والإخلاص، وعلى مسمع من الناس ولا منكر لذلك.. قالوا: فن.

واعتدوا على اليوم الآخر، حتى استهانوا بالنار والجنة، فصرح بعضهم أنه مستعد لدخول النار لأجل محبوبه فقال: "يا بعيش وإياك في الجنة، ويا بعيش وإياك في النار"، وقال آخر: "بطلت أصوم وأصلي.. بدي أعبد سماك.. لجهنم ماني رايح.. إلا أنا وإياك!!" آمين آمين.

واعتدوا على أشرف مقامات الإسلام ومراتبه العلية، فتسمع أحدهم يقول: "يا ولدي قد مات شهيداً مَن مات فداء للمحبوب".. الشهيد الذي أخبر الله تعالى أنه حي في البرزخ في حواصل طير خضر تسرح في الجنة، ينزله هذا المغني أسفل سافلين.

واعتدوا على شرائع الإسلام جميعها حتى استحلوا المحارم، قال الشقي: "وكان حلالا لي ولو كانت محرمي".

واستحلوا الخمر التي كثر وصفها في أغاني الشعبي، فيظل يحشِّش ويعربد ويصف المرأة وعشقه لها بمسمع من الناس، ثم يختمها في الأخير بالصلاة على رسول الله وكأنه كان يفسر القرآن الكريم، وموقف المسلمين، يرقصون ويصفقون فبئس ما يفعلون.

إخوتي الكرام، لا يمكنني الاستمرار في ذكر أقوالهم الشنيعة وتصريحاتهم الفظيعة، وإنما ذكرت هذا كله ليذّكِّر الغافل، ويتعلَّم الجاهل وتنقطع حجة المجادل، فأنتم ترون وتسمعون أنهم اعتدوا على أعز شيء نملكه.. اعتدوا على الرب جلّ وعلا.. وعلى أركان الدين، فما تركوا شيئاً إلا نالوا منه، والمسلمون يشترون هذا الكلام بأموالهم، وينشرونه بين أبنائهم وأزواجهم، وهكذا تنشأ الأجيال تلو الأجيال..

ونذكِّر كل من ابتلي بسماع الغناء وننصحه بالتوبة الصادقة إلى الله تعالى، فإن الذي يتعود سماع شيء ذكَرَه في أحلك وأصعب اللحظات وذلك عند الموت، فقد روى العلماء عدة أحداث تدل على أن المدمن على سماع الغناء توعَّده الله بسوء الخاتمة، فهذا يقال له عند موته: قل: لا إله إلا الله. فيقول: اشرب واسقني.. وهذا التفَّ من حوله أولاده وبناته وهو على فراش الموت فقال شيئاً فلم يسمعوه، فلما اقترب منه ولده سمعه يقول: "ضع شريط فلان المغني".. ووالله إن كثيراً من الناس رأوا بأعينهم شباباً في حوادث السيارات وقد اختلط لحمهم بحديد السيارة وهم تلهج ألسنتهم بالغناء.. لا إله إلا الله.. يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك.

وانظر ـ أخي الكريم ـ إلى الدنيا تجدها كلها لهواً ولعباً، يلقبون المغني المخرب بالفنان والنجم.. فاسأل نفسك.. ماذا قدم هذا لدينه أو دنياه؟ هل فتح القدس بأغانيه؟ هل هدى الله على يديه الخلق؟ هل أنشأ مفاعلاً نووياً؟ المهندس عرفنا دوره، الطبيب عرفنا دوره، البناء.. المدرس.. فما جهد ودور المغني صاحب العفن؟! هذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين، والله الموفق لا رب سواه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق