التحذير من التبرج (2)

ملخص الخطبة

1- ظاهرة التبرج عنوان الجاهلية. 2- الكاسيات العاريات. 3- شروط الحجاب. 4- حرص نساء خير القرون على الستر. 5- التحذير من إظهار الزينة أمام الأقارب غير المحارم. 6- أنواع الحجاب. 7- الغيرة على الأعراض.


الخطبة الأولى

أما بعد: فلقد تحدثنا معكم في الخطبة الأخيرة عن مظهر من مظاهر الظلم الفظيعة، وصورة من صور الظلم الشنيعة، التي انتشرت في المجتمعات الإسلامية حتى غدت شبيهة بالمجتمعات الكفرية، التي لا تدين بدين، ولا تحتكم إلى شريعة رب العالمين، تلكم الظاهرة هي ظاهرة تبرج النساء، وتلونا على مسامعكم أحاديث المصطفى المرهبة أشد الترهيب من ذلك، وكان من أشهدها ترهيبًا قوله : ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)). ونريد أن نعرف معنى قوله : ((كاسيات عاريات)).

ولا بد أن نبين هذا لأن كثيرًا من النساء يحسبن أنفسهن متحجبات وهن لسن كذلك، مثلهن كمثل المسيء صلاته الذي قال له رسول الله : ((ارجع فصل فإنك لم تصل))، فنقول لهؤلاء النسوة: ارجعن فاسترن أنفسكن فإنكن غير مستورات.

قال العلماء: تكون المرأة كاسية عارية بأحد ثلاثة أمور:

- بأن يكون لباسها قصيرًا لا يستر جميع البدن، فهذه كاسية عارية.

- بأن يكون شفافًا غير سميك، ولو كان طويلاً، فهذه كاسية عارية.

- بأن يكون الحجاب ضيقًا غير فضفاض، فيجسد جسدها ويبين تقاسيم بدنها، فهذه كاسية عارية.

أما هؤلاء اللائي يبدين معظم البدن فإنهن عاريات عاريات.

وعليك أن تنظر إلى نسائك وبناتك أين يدخلن؟ وهن تحت مسؤوليتك، فإياك أن تحرمها من الجنة ومن رحمة الله تعالى.

أذكرك بحديث رواه الإمام أحمد عن عمرو بن العاص قال: بينما نحن مع رسول الله في هذا الشعب إذ قال: ((انظروا هل ترون شيئا؟)) فقلنا: نرى غربانا فيها غراب أعصم أحمر المنقار والرجلين، فقال رسول الله : ((لا يدخل الجنة من النساء إلا من كان منهن مثل هذا الغراب في الغربان))، الغراب الأعصم هو نوع نادر من الغربان أحمر المنقار والرجلين.

الجنة أم الأمنيات وأعظم المرجوات، الجنة التي إذا تذكرتها المسلمة هان عليها كل شيء في سبيلها. واستمعوا إلى هذا الحديث الذي رواه البخاري عن عطاء قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنه: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي فقالت: إني أُصرع وإني أتكشف، فادع الله لي، فقال النبي : ((إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك))، قالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف، وفي رواية قالت: إني أخاف هذا الخبيث أن يجردني، فدعا لها.

أرأيتم حرص المرأة المسلمة على الجنة، يهون عليها صرع العفاريت ولا ترضى أن يبدو شيء من بدنها رضي الله عنها وأرضاها.

وما أعظم ما رواه الإمام أحمد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كانت تستحي وتقول: كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله وأبي، فأضع ثيابي وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن معهما عمر بن الخطاب فوالله ما دخلت إلا وأنا مشدودة علي ثيابي حياء من عمر. أين عمر؟! تحت الأرض، تحت الأرض وتستحي منه عائشة رضي الله عنها.

فيا أيتها النسوة في البيوت، أخاطبكن من على هذا المنبر، احذرن من كشف شيء من أبدانكن لغير محارمكن، فإن كثيرًا من النساء يتبعن العرف والعادة، ويمنعن بناتهن من التستر من الأجانب، ويتساهلن أمام زوج الأخت مثلاً أو ابن العم أو ابن الخال أو الجيران وغير ذلك ممن لم يعتبره الله محرمًا لهن، أين هؤلاء من عمر وهو حي؟! وأين هم منه وهو ميت؟! ومع ذلك تمتنع عائشة من إبداء شيء من بدنها.

ثم أنتم أيها الرجال، كيف بعد كل هذا تترك نساءك وبناتك وأخواتك يخرجن سافرات إلى الشوارع أمام ذئاب البشر؟! الذين لا يهدأ لهم بال حتى يمزقوا بأنياب الفسق والفجور عرضك وأنت تعلم ذلك لا محالة.

أيها الناس، يا عباد الله، اتقوا الله، قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل الأنبياء وسيد الأتقياء وإمام المرسلين، اللهم صل عليه وسلم وبارك وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: اعلموا ـ عباد الله ـ أن الحجاب الذي أنزله الله تعالى على عباده ثلاثة أنواع:

- حجاب في البيت: فمكان المرأة البيت رغم أنف العلمانيين، مكان المرأة البيت رغم أنف دعاة التحرر والانحلال من الدين، مكان المرأة البيت فلا تخرج إلا لحاجة، تشريفًا لها وحماية لعزتها وعفتها وكرامتها، تخرج للحاجة لزيارة الأقارب وصلة الأرحام، ولشراء ما لا يمكن غيرها شراؤه، وذلك بشروط خمسة، متى فقد شرط واحد حرم عليها الخروج، أما أن تكون خراجة ولاّجة، تخرج كل يوم مرات عديدة أو لغير حاجة، فإنها بذلك تخالف أمر الله الذي قال: وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]، وأنتم تعلمون معنى القرار والاستقرار.

- النوع الثاني من الحجاب حجاب البدن بشيء يستر جميع البدن، سميك غير شفاف، وفضفاض غير ضيق، وغير لافت لنظر الرجال، وقد بينا ذلك، إذن فالمسألة ليست لعبًا، وليس كل ما نعده حجابًا فهو حجاب.

- النوع الثالث حجاب داخل البيت يستر بدن المرأة أمام المحارم.

بعد كل ما ذكرناه، وبعد كل ما نراه هذه الأيام من انحراف كبير، وبعد كل ما نسمعه من حوادث الزنى واللواط والسحاق، بعد كل ذلك ندرك تمامًا حكمة الباري سبحانه في فرض الحجاب، الله الذي قال وقوله الحق: أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ [الملك:14]، الله الذي قال وقوله الصدق: وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة:216]. فكم من البيوت هدمت، وكم من الأعراض قد لوثت، وكم من الجلود قد تنجست.

أيها المسلم، أسأل نفسك إذا خرجت امرأتك أو ابنتك أو أختك متزينة، لمن تتزين؟ اسأل نفسك هذا السؤال، ولا أنتظر منك الجواب، إنما علينا البلاغ، إنما علينا التذكير، نذكرك بشيء اسمه: "الغيرة".

وأختم حديثي بقصة تكتب بماء الذهب، قصة جرت لامرأة اختصمت مع زوجها إلى قاضي الري عام 286هـ، ادعت على زوجها صداقًا قدره خمسمائة دينار، وقالت: ما سلمه لي أبدا، فأنكر الزوج، فجاء الشهود الذين حضروا مجلس العقد، فقال الشهود: نريد أن تُظهر لنا وجهها حتى نعلم أنها الزوجة، واعلموا ـ عباد الله ـ أن هذا من المواطن التي أباح الله فيها النظر إلى المرأة، إذ لا يخفى عليكم أن نظر الرجل إلى المرأة محرم إلا في مواطن ضيقة كالخطبة والمعاملة كبيع وإجارة، وفي الشهادة كما في قصتنا هذه، لكن لما سمع الزوج ذلك صرخ، صرخ وقال: لا تفعلوا هي صادقة فيما تدعيه، إنه يريد صيانة زوجته من أن يراها الرجال، فلما رأت الزوجة ذلك منه، وأنه ما أقرّ إلا ليصون وجهها، قالت: هو في حل من صداقي في الدنيا والآخرة.

فهذا ما ينبغي أن يكون عليه المسلم والمسلمة هذه الأيام، قَدْ جَاءكُمْ مّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَـٰبٌ مُّبِينٌ يَهْدِى بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلَـٰمِ وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ [المائدة:15، 16].

0 التعليقات:

إرسال تعليق