التحذير من التبرج (1)

ملخص الخطبة

1- نداء للقلوب الحية. 2- تبرج النساء مظهر من مظاهر الظلم. 3- كلكم راع. 4- اتفاق الأديان السماوية على الحجاب. 5- التبرج عقوبة من الله. 6- ستر المرأة من أخلاق العرب في جاهليتها. 7- أدلة ستر المرأة في الكتاب والسنة. 8- تحسّر أهل الصلاح من الوضع المزري. 9- نصيحة عامة.


الخطبة الأولى

أما بعد: فقبل أن نشرع في التحدث عن مظهر آخر من مظاهر الظلم ننادي قلوبكم، قلوبكم التي عقدت العزم على أنه لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله. ننادي قلوبكم التي آمنت وأيقنت أن الموت حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن الصراط حق، وأن الحساب حق، وأن الحشر حق، وأن الله هو الحق، ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ ءاتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى ٱلْقُبُورِ [الحج:6، 7].

ذلكم لأنه لا ينتفع بالموعظة إلا من تذكر الموت، وأيقن أنه سيعود إلى ربه، فيقف بين يديه فيحاسبه عما قدم وأخر، لأنه لا يرقّ إلا قلب من اتعظ وتذكر، يقول الله تعالى: قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [لقمان:33].

عباد الله، سنتناول معكم اليوم مظهرًا آخر من مظاهر الظلم الفظيعة، وصورة من صور الأذى الشنيعة، التي يعاني منها المسلمون الصالحون، في كل مكان من مشارق الأرض ومغاربها، تلكم هي ظاهرة تبرج النساء، نعم إنه تبرج النساء في هذا الزمان، وخروجهن عاريات، عاريات يعثن في الأرض فسادًا والله لا يحب الفساد. فلا شك أنكم توافقونني في أن خروج المرأة متبرجة مبرزة مفاتنها من أعظم الظلم، لأن فيه صدا كبيرًا للناس عن دين الله تعالى، وعن الاعتصام بمنهجه القويم وشرعه الحكيم، وكفى بذلك بغيا وعدوانا.

وأول معني بهذا الأمر هو نحن، لأن هؤلاء النساء إنما هن بناتنا أو أخواتنا أو زوجاتنا وقريباتنا وجاراتنا، اللائي يدخلن تحت قوله : ((كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته))، مسؤول عنهن في الدنيا والآخرة، لأنهن تحت حكمك، وتحت قوامتك، والله لن نفلت من سؤاله سبحانه وتعالى لنا وحسابه وعقوبته إن لم نرعهن حق الرعاية.

إننا نأمرهن بالغسل والطبخ، ولو لم يقمن بذلك لقمنا وقعدنا، وأرعدنا وأزبدنا، ونقول: عليهن السمع والطاعة، فكيف لا نأمرهن بالستر والعفاف ما دمنا كذلك؟! كيف لا تأمرها بالحجاب ونصوص الكتاب والسنة تتلى ليل نهار على سمعك تبين لك أن ستر المرأة فرض من فرائض الإسلام؟‍!

يقول الله تعالى الذي رضي الكرامة والعزة للإنسان: يَـٰبَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوٰرِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]. لباس التقوى كله خير، ذلك هو اللباس الذي يلبسه المؤمن والمؤمنة فيتقيان به ربهما، لباس التقوى للمرأة المسلمة هو اللباس الذي يحفظ لها كرامتها وعزتها، حياءها وعفتها، فإن زينة المرأة العفة والحياء.

ومما يجب أن لا نغفل عنه وأن لا نجهله أن تستر المرأة لم ينفرد الإسلام وحده بتشريعه، بل إن الحجاب قد اتفقت جميع الأديان السماوية على أنه فرض من فرائض الله تعالى على إمائه، فلقد جاء في كتب الذين أوتوا الكتاب من قبلنا في التوراة والإنجيل أنه فرض من الله تعالى، ولا تزال تلك النصوص في كتبهم، أعماهم الله عنها فلم يحرفوها، جاء في الإصحاح 23 و38 من سفر "التكوين"، والإصحاح الثالث من سفر "إشعيا" قوله: (إن الله سيعاقب بنات إسرائيل على تبرجهن والمباهاة بخلاخيلهن بأن ينزع عنهن زينة الخلاخل والضفائر والحلق والأساور والبراقع والعصائب).

بل إن الكنيسة كانت إلى غاية القرون الوسطى تخصص جانبًا كبيرًا من مواردها حتى لا يختلط الرجال بالنساء.

ومما تجدر الإشارة إليه، أن التبرج عقوبة من الله سبحانه، ولا أدل على ذلك من قوله تعالى وهو يقص علينا معصية آدم وحواء: فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ [الأعراف:21].

ثم اعلموا أن كفار العرب في الجاهلية كان من مكارم أخلاقهم ـ كما تذكر أشعارهم ـ ستر المرأة وتحجبها، قال الشاعر:

تكسل عن جاراتها فيزرنها وتعتل من إتيانهن فتعذر

فالحرة كانت تجلس في البيت سيدة مخدومة، ولا تخرج إلا متسترة، ولكن من بنات اليوم من رضين لأنفسهن برتبة الإماء، حتى صار عرضهن ـ وهو أغلى ما تملكه المسلمة ـ صار يباع بأرخص الأثمان.

بل الذي يتأمل أشعار العرب يجد أن ستر الوجه كان معروفًا لديهم، فقد صح أن امرأة النعمان بن المنذر ملك الحيرة كانت تسير في الطريق، فسقط نصيفها ـ أي: خمارها ـ عن وجهها أمام الناس، فمالت إلى الأرض لتحمله بيدها، وتستر وجهها بيدها الأخرى، حتى قال النابغة الذبياني:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولتـه واتقتـنا باليـد

وحرب الفِجار قامت بين كنانة وهوازن بسبب تعرض شباب من كنانة لامرأة من غمار الناس، راودوها على كشف وجهها فنادت: "يا آل بني عامر"، فأجابتها سيوف بني عامر.

وورد في أشعارهم ذكر البرقع والقناع والحجاب والمرط والكساء ونحوها، مما يدل على أن ستر المرأة كان من مكارم الأخلاق عندهم، فجاء الحبيب المصطفى محمد فأتمها وقومها وكمل نقصها، فقد كان الشواذ يطفن بالكعبة وهن عرايا، فأزال الإسلام بهديه ذلك الانحطاط الكبير فقال تعالى: يَـٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31]. أما الشائع في ذلكم الزمان فهو أنهن كُن يخرجن ويبدو منهن شيء من نحورهن وهو أسفل الرقبة، فأنزل الله حكمه من فوق سبع سماوات قائلاً: وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأولَىٰ [الأحزاب:33]، هذا هو التبرج الذي أنكره الله عليهن، واعتبره عودة إلى الجاهلية الأولى، فما عسانا أن نقول عن تبرج نسائنا هذه الأيام؟!

وأدلة حجب المرأة وسترها في القرآن والسنة أكثر من أن تحصى، وأعظم من أن تستقصى، ولكن يكفي أن نذكركم بجوامع الكلم منها، قال الله تعالى: وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلأولَىٰ، وقال: يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لأزْوٰجِكَ وَبَنَـٰتِكَ وَنِسَاء ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب:59]، وقال عز وجل: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور:31]، يدنين جلابيبهن: تلمّه على نفسها حتى لا يظهر من بدنها شيء، ويضربن بخمرهن فلا يبدو شيء من شعرها أو نحرها، والكلمة الجامعة لذلك كله هي قول المصطفى : ((المرأة عورة)) رواه الترمذي. نص حكيم محكم جامع للأمر كله ((المرأة عورة))، من فقه هاتين الكلمتين فقه الحكم كله، ((المرأة عورة)). فكما تستحي ـ أيها الرجل ـ من أن تظهر عورتك، فينبغي أن تستحي من أن تظهر نساؤك وبناتك متبرجات.

((المرأة عورة))، احفظوا هذه النصوص لتضعوها في نحور دعاة التبرج والخلاعة، الذين ما فتئوا يُشيعون الفاحشة في الذين آمنوا بجميع الوسائل المرئية والسمعية والمقروءة، إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلْفَـٰحِشَةُ فِى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ [النور:19].

فاعلم ـ أيها المسؤول ـ عن أمك وأختك وابنتك وزوجتك أن أعداء الله كُثُر، وأمرك لابنتك بالحجاب سلاح ضدهم أشد من عشرات الخطب المنبرية في المساجد، وأنفع من مئات المحاضرات. فهؤلاء يريدون التمتع بالمرأة المسلمة كما يتمتع الغربيون بنسائهم، إنهم يزينون لها الظواهر ويكيدون لها في الباطن:

خدعـوهـا بقولهم حسنـاء والغواني يغرهن الثنـاء

نظـرة فـابتسـامـة فسلام فكلام فموعـد فلقـاء

فاتقوا الله في قلوب العـذارى إن العذارى قلوبهن هواء


الخطبة الثانية

فإنه لا يمر يوم إلا وترى الذين في قلوبهم غيرة على دينهم يتحسرون على ما يخططه أعداء الله والمسلمون غافلون.

أيها الوالد، أيتها الأخت المسلمة، ألا يحن قلبك لدينك؟! ألا تبكون على هذا الدين الذي يطعن فيه كل يوم كل من أتيحت له فرصة؟! ألا تعلمون أن ترك الحجاب هو طعنة في ظهور إخوانكم وأخواتكم؟!

أختي المسلمة، ألا تتذكرين ذلك المشهد؟! أيها الوالد، ألا تتذكر يوم تفارقك زوجتك أو ابنتك أو أختك، يوم تعود إلى الله خالقها جامدة لا تتكلم ولا تتحرك؟! ألا تشفق أن تسحب إلى النار سحبا، وتدع إلى جهنم دعّا؟!

ألا تعلم أن رسول الله قال: ((صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)) رواه مسلم.

ألا نعلم أن رسول الله رأى ليلة أسري به صورا من العذاب الفظيع الذي لا يمكن لأحد تصوره، هذا العذاب ثبت لمن عصى الله بذنوب هي أدنى بكثير من معصية التبرج.

تذكري ذلك اليوم، تذكر ذلك أيها الأب وأيها الأخ، وأيتها الأم وأيتها الأخت، سارعوا بدعوة الغافلات إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة، وذكروها أنها يوما إلى الله تعالى، وهذا اليوم لا ريب آت، وكل آت قريب، هذه ذكرى فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا.

إن حضورك أيها الأب، أيها الأخ، أيتها الأم، أيتها الأخت، حضوركم جميعًا إلى سماع خطب الجمعة إنما هو للعمل بما تسمعونه، فإياكم أن تكونوا من الذين طبع على قلوبهم فهم لا يفقهون.

وأما من أصر على ما هو عليه، ولا يهتم بما أنزل عليه، وأصر على ظلم العباد بصدهم عن رب العباد، فنقول له: هداك الله لما فيه الخير والصلاح، والهدى والفلاح.

ونسأله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يوفق بنات المسلمين ونساءهم للاعتصام بصراط الله المستقيم، إنه ولي ذلك والقادر عليه

0 التعليقات:

إرسال تعليق