الدّرس 16

الدّرس السّادس عشر من شرح " نظم الورقات "

تابع لـ: باب العام

هذه بعض الأمثلة عن صيغ العموم، نذكرها تدريبا على استنباطها، من باب تخريج الفروع على الأصول.

- المثال الأوّل:

قال r: (( مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ )) [ البخاري وغيره عن ابن عبّاس t].

فهذا نصّ عام يشمل جميع المكلّفين، لأنّ ( مَنْ ) اسم شرط يفيد العموم كما تقدّم، فاستثناء الحنفية "المرأة" من هذا العموم يفتقر لدليل.

-المثال الثاني:

قال رسول الله r: (( أَيُّماَ امْرَأَةٍ أُنْكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهاَ، فَنِكاَحُهاَ باَطِلٌ )) [أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلاّ النّسائي عن عائشة].

قال الحنفية: إنّ هذا الحديث يحمل على الصّغيرة، والجمهور قالوا: إنّ لفظ " أيّ " اسم شرط يفيد العموم، فيعمّ الصّغيرة والبالغة العاقلة.

-المثال الثّالث:

ذهب بعض المالكية إلى أن بيع كلب الصّيد لا يجوز لقوله r: (( ثَمَنُ الكَلْبِ حَراَمٌ )) [أحمد عن ابن عبّاس ومسلم من حديث رافع بن خديج]. ووجه الدّلالة: أنّ لفظ ( الكلب ) في الحديث مفرد معرّف بـ" ال "، فيفيد العموم.

والجمهور على أنّه عام مخصوص بدليل. [وسنذكره في باب الخاص إن شاء الله].

-المثال الرّابع:

اختلف العلماء في جواز الخلع زمن الحيض، فالحنفية قالوا: الخلع هو طلاق، ومعلوم لدى العلماء كافّة أنّ الطّلاق أثناء الحيض حرام، فالخلع أثناء الحيض حرام كذلك.

وأجاب الجمهور بأنّ النّبي r عندما جاءته امرأة ثابت بن قيس وطلبت منه الخلع من زوجها قال لها: (( أَتَرُدِّينَ لَهُ حَدِيقَتَهُ ؟ )) قالت: نعم. فقال لثابت: (( اقْبَلِ الحديقة، وَطَلِقْهَا تَطْلِيقَةً )). فالنبيّ r لم يستفصل: أكانت حائضا أم لا ؟ مع احتمال كونها كذلك، وترك الاستفصال في حكاية الحال مع ورود الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، فالخلع جائز ولو في الحيض.

المثال الخامس:

قال r: (( مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَهِيَ لَهُ )).

فالجمهور على أنّ خاص بالمسلمين، وذهب بعض المالكية إلى أنّه عامّ يشمل المسلم والذمّي، لأنّ " مّنْ " اسم شرط يفيد العموم.

ومنهم من ذهب إلى أنّ إحياء الموات خاصّ بمن أذن له الإمام في ذلك، وأجاب الآخرون بأنّ اللّفظ عامّ، يشمل من أُذِن له ومن لم يُؤذَن له.

** ** **

المبحث الثّالث: هل الأفعال وما جرى مجرى الأفعال تفيد العموم ؟

قال الناّظم رحمه الله تعالى:

ثُمَّ العُمُومُ أُبْطِلَتْ دَعْوَاهُ

فِي الفِعْلِ بَلْ وَمَا جَرَى مَجْرَاه

سبق أن ذكرنا في أوّل الباب أنّ العموم من صفات الألفاظ، فلا يجوز دعوى العموم في غيره كالأفعال وما يجرى مجرى الأفعال، وإنّما تفيد الأفعال الإطلاق، لا العموم.

· ومن الأمثله على ذلك حديث: (( أَنَّ النَّبِيَّ r قَاءَ فَتَوَضّأ )).[ رواه الترمذي وأحمد عن أبي الدّرداء t، وانظر " الإرواء "(1/147)].

فهذا لا يعمّ جميع أحواله حين قاء، فلا يفيد أنّ القيء ناقض للوضوء.

· ومثال عمّا جرى مجرى الأفعال: أقضيته r، فهي لا تفيد العموم إلاّ بقرينة عند الجمهور، وعند غيرهم تفيد العموم إلاّ بقرينة.

ومن الامثلة حديث: (( قَضَى r بِالشَّاهِدِ وَاليَمِينِ )).

فإنّه لا يدلّ على العموم، وإنّما قضى النبيّ r بذلك في حالات معيّنة، كما حقّقه ابن قيّم الجوزية في " الطرق الحكمية ".

المبحث الرّابع: حكم العامّ.

قال الزّركشي رحمه الله تعالى في " البحر المحيط ":

" الواجب: العملُ بالعامّ حتّى يبلغه المخصّص، لأنّ الأصل عدم المخصّص، ولأنّ احتمال الخصوص مرجوح، وظاهر صيغة العموم راجح، والعمل بالرّاجح واجب بالإجماع ".

فإذا ثبت الدّليل الّذي يُخصِّص العامّ وجب العمل به، وهذا ما سوف نراه إن شاء الله في الباب التّالي، وهو باب الخاصّ.

0 التعليقات:

إرسال تعليق