ملخص الخطبة | |||
1- كيفية الحشر يوم القيامة. 2- يحشر المرء على ما مات عليه. 3- الآمنون في الفزع الأكبر. 4- المعذبون يوم القيامة. 5- الشفاعة العظمى. | |||
الخطبة الأولى | |||
أما بعد: فإننا لا نزال معكم في الحديث عن اليوم الآخر، وقد وقفنا عند الحديث عن يوم البعث والنشور، يوم الخروج من القبور، وانطلاق الخلق إلى أرض المحشر يا غافلاً عما خلقت له انتبه جدَّ الرحيل ولست باليقظان يوم القيامة لو علمت بهوله لفررت من أهل ومن أوطان ستخرج من قبرك عرياناً لا ثوب لك، حافياً لا نعل لك، أغرل غير مختون، أما العباد، فيا حسرة على العباد، قال ترى رجلاً ينطلق في أرض المحشر وجرحه يثغب دما، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، إنه الشهيد الذي قتل في سبيل الله. وترى رجلاً ينطلق إلى أرض المحشر آمنا مطمئنا من الفزع الأكبر، من هذا؟ إنهم أصناف: إنه الساعي في قضاء حوائج إخوانه، فيقضي حاجة هذا، وينفس كربة هذا، وقد قال وممن يأمن من الفزع الأكبر الذي شاب شيبة في الإسلام، جزاء لطول عمره وحسن عمله. وممن يأمن من الفزع الأكبر المؤذنون، بشراكم أيها المؤذنون، أطول الناس أعناقاً يوم القيامة، كناية عن علو قدرهم وعظم شأنهم عند ربهم. وممن يأمن الفزع الأكبر صنف يظلهم الله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله، إنهم: الإمام العادل الحاكم المقسط الذي اتقى الله في رعيته، وآتاه الله القوة والسلطان فسخرهما لإعلاء كلمة الرحمن. ثانيهم: شاب نشأ في طاعة الله، أقبلت عليه الدنيا بشهواتها ونزواتها وبهرجها وباطلها، فولاها ظهره وأقبل على ربه، فعاش طاهراً نقيا عفيفاً تقياً. ثالثهم: رجال يعمرون مساجد الله وتعلقت قلوبهم بها، فيجدون بها حلاوة إيمانهم ويناجون فيها مالك أمورهم، ويودون لو ظلوا بها عاكفين عليها. رابعهم: المتحابون في الله، جمعتهم رابطة الأخوة في الدين، وغشيتهم كلمة توحيد رب العالمين. خامسهم: رجل أتته امرأة ذات جمال وجاه تريد أن تلبسه ذل المعصية وصغار الفاحشة، فقال لها: إني أخاف الله رب العالمين. سادسهم: المنفقون أموالهم بالليل والنهار، سراً وعلانية، في وقت غُلت أيدي الناس إلى أعناقهم، فتراهم ينفقون لوجه الله حتى لا تعلم شمائلهم ما تنفق أيمانهم. سابعهم: الذي ذكر الله خالياً ففاضت عيناه من خشيته تعالى، فوالله إن الذي تدمع عينه لذلك حرّم الله عليها النار. هؤلاء سبعة ذكرهم النبي كل هؤلاء يأمنون الفزع الأكبر، والجزاء من جنس العمل، فمن خاف الله تعالى في الدنيا أمنه يوم القيامة. فتزودوا ـ عباد الله ـ من التقوى، فهو خير زاد لكم في هذا اليوم.
| |||
![]() الخطبة الثانية | |||
الحمد لله باعث الأرواح وقابضها، واهب الحياة وسالبها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلقنا من التراب وإليه يرجعنا، ثم إذا شاء إليه يصيّرنا، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أطال الحديث عن الموت وشدته، وعن الحساب وكربته، فنبه الناس من غفلتهم وخلّصهم من حيرتهم، صلـى الله عليه وسلم وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار الذين تعلقت قلوبهم بدار القرار، فكانوا للآخرة عاملين، وللموت ذاكرين، حتى لقوا الله رب العالمين. أما بعد: فإن حال الفجرة والعصاة غير حال البررة والتقاة، فإن مشهدهم يومئذ تقشعر منه الأبدان وتشيب له الولدان. ترى رجلاً ينطلق في أرض المحشر، لا يقوى على القيام، ولا يقوى على القعود، بطنه منتفخة، يتخبط يمنة وميسرة، من هذا؟ إنه آكل الربا، وترى رجلاً ينطلق في أرض المحشر وحوله أطفال صغار، يسحبونه ويجرونه جرّا، وهم يتعلقون به، من هذا؟ إنه آكل أموال اليتامى ظلماً، وترى رجلاً ينطلق في أرض المحشر وهو يحمل على كتفيه ما أخذه في هذه الدنيا بغير حق، يحمل على كتفيه ما سرقه، من سرق بيضة، من سرق دجاجة، من سرق نعجة، من سرق بقرة، من سرق ناقة، من سرق أمَّة، وترى رجلاً ينطلق إلى أرض المحشر وهو يحمل كأس الخمر في عنقه، إنه شارب الخمر، يبعث على ما مات عليه، وكل من مات على شيء بعث عليه، فنسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة. ينقادون وينطلقون جميعاً إلى أرض المحشر، في يوم مقداره خمسون ألف سنة، ينقادون إلى لقاء الملك القهار، الواحد الجبار، مالك يوم الدين، وتصور ازدحام الخلائق واجتماعهم فتكتمل عدة أهل الأرض، واستووا جميعاً في موقف العرض، الإنس والجن والشياطين والسباع والدواب والهوام والطيور والوحوش، والشمس فوق رؤوسهم قدر ميل، وقد توهجت نارها، فاجتمع وهج الشمس وحرّ الأنفاس واحتراق القلوب بنار الخوف والحياء من الفضيحة والخزي، ففاض العرق على صعيد المحشر، حتى يرتفع على أبدانهم بقدر أعمالهم، والسؤال همس، والكلام تخافت، واليوم طويل، واشتد الكرب وعظم الخطب. ويبحث العباد عن أهل المنازل العالية عند الله ليشفعوا لهم عند الله ليأتي ويخلصهم من كربات الموقف وأهواله، فيأتون آدم عليه السلام فيقولون: أنت أبونا آدم، أنت أبو الخلق، خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح، أنت أوّل نبي إلى الأرض، وقد سماك الله عبداً شكوراً، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا؟ فيقول: إن ربي قد غضب، وإنه كان لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا عند ربك، أما ترى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات ـ فيذكرها ـ نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله فضلك برسالاته وبكلامه على الناس، اشفع لنا عند ربك. أما ترى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب، إني قد قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى عليه السلام، فيقولون: أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلمت الناس في المهد، اشفع لنا عند ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟. فيقول: إن ربي قد غضب، ولم يذكر ذنباً أو لعله يخشى من عبادة النصارى له، فيقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد فينطلق الرسول بعد ذلك، ترى الصمت وقد خيم على الموقف، السؤال همس، والكلام تخافت، فإذا بالمكان يغمره ما كان ينتظره كل أحد، يغمر المكان حينئذ نور الحي القيوم وهو آت في ظلل من الغمام والملائكة صفاً صفا،
هنالك يتمنى قوم العود إلى الدنيا ليعملوا صالحاً، مثل وقوفك يوم الحشر عريـانا مستـوحشاً قلـق الأحشـاء حيـرانا والنار تزفـر من غيظ ومن حنقٍ على العصـاة وتلقى الرب غضبــانا اقرأ كتـابك يا عبدي على مهلٍ هـل تـرى فيه حرفاً غير مـا كـانا لمـا قـرأت ولم تنكر قراءتـه وأقررت إقرار من عرف الشيء عرفانا نـادى الجليل: خذوه يا ملائكتي وامضـوا بعبـد عصى للنار عطشـانا المشركـون في نار جهنم يلتهبوا والمـؤمنـون بـدار الخلـد سـكـانا ربنا لا تخزنا يوم الحسـاب ولا تجعل لنـارك اليوم علـينـا سلطـانا نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن ينجينا من نار الجحيم، اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، أسأله تعالى أن يبارك لنا في القرآن العظيم، وأن ينفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم |
الوقوف في أرض المحشر
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق