ملخص الخطبة | |||
1- النار مصير العصاة والمشركين. 2- صور من عذاب النار وطعامها وسلاسلها. 3- خروج من كان في قلبه ذرة إيمان من النار. 4- مجيء الموت على صورة كبش يذبح. 5- حسرات أهل النار حينذاك. 6- رؤية المؤمنين ربهم عز وجل. | |||
الخطبة الأولى | |||
أما بعد: فإننا وقفنا معكم في الخطبة الأخيرة، عندما وضع المؤمنون رحالهم في الجنة بعد سفر بعيد طويل، مليء بالمتاعب شديد، وذكرنا لكم أوصاف الجنة ونعيمها، وفرح أصحابها وسرور أهليها، يناديهم ربهم فيها: إنها النار، دار الذل والهوان، دار العذاب والخذلان، دار الشهيق والزفرات، دار الأنين والعبرات، نار حرّها شديد، وقعرها بعيد، ومقامعها وسلاسلها وأغلالها حديد، نار أشعلت ثلاث آلاف سنة، ألفا حتى احمرت، وألفاً حتى ابيضت، وألفاً حتى اسودت فهي سوداء مظلمة. يلقى المشركون والعصاة في النار أمة بعدة أمة، جنّهم وإنسهم، وقال تعالى: يتبرأ الأقوياء والمتكبرون من الضعفاء، فيلتفتون إلى الشيطان الرجيم وقد أحاطت به النار من كل جانب لعله يخفف عنهم، فيصرخ قائلاً: عندئذ، يصاب أهل النار بحسرة شديدة، أما حر النار فشديد، ففي الصحيحين: ((ناركم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم))، وقال تعالى: وأما قعرها فبعيد بعيد، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله وأما سلاسلها ومقامعها وأغلالها فحديد، أما طعامها فزقوم، لا أبشع منها ولا أقبح، مادتها المُهْلُ وهو ما ذاب من نحاس، روى الترمذي عن ابن عباس مرفوعاً: ((لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن تكون طعامه؟!))، يأكلون منها ويأكلون وهي تغلي في البطون، حتى إذا عطشوا سقوا ماء حميماً تغلي منه بطونهم فيقطع أمعاءهم، ويدعَون إلى طعام آخر وهو الغسلين عصارة أهل النار من القيح والدم والصديد، الدم الأحمر، والقيح الأخضر، والصديد الأصفر، يأكلونه رغماً عنهم كما قال: والنار محيطة بهم لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم مهاد من النار. إنه مشهد ما أفظعه، ومرتقى ما أصعبه، وطريق ما أعسره. اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار. اللهم أجرنا من النار، تعوذوا بالله منها، فإن العبد إذا قال: اللهم أجرني من النار، قالت النار لربها: اللهم أجره مني. أسأل الله العظيم أن يبارك لي ولكم في القرآن العظيم، وأن ينفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل.
| |||
![]() الخطبة الثانية | |||
الحمد لله على إحسانه، وعلى جزيل نعمه وكبير امتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه وآله والسائرين دربه ومنواله. أما بعد: فهذه هي النار، وها هي مشاهدها قد سردناها على مسامعكم، فماذا بعد ذلك؟ وهم على تلكم الحال، وفيهم المشركون والكفار والمنافقون والعصاة والموحدون، إذا برسول الله محمد ويقال لأهل الأعراف: ادخلوا الجنة، وهذه الشفاعة تكون للنبي ثم يعودون فيقال لهم: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقال لهم: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا، فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون، فيقول الجبار حينئذ: بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار فيُخرج قوماً قد امتُحِشوا ـ أي: احترقوا ـ فيلقون في نهر في الجنة يقال له: ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ، وبأعناقهم خواتيم ـ أي: علامات ـ فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه. هذا جزاء من قال: "لا إله إلا الله" مخلصاً من قلبه، ولم يشرك بالله شيئاً، فإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وهذا أوان المغفرة لهم، أنجاهم من نار الجحيم، هذا لمن وحد الله تعالى فلم يدع معه غيره، ولم يذبح لغيره، ولم ينذر لغيره، ولم يصدّق كاهناً ولا عرّافاً، ولم يرتكب أي ناقض من نواقض الإيمان. يدخلون الجنة في آخر أمرهم، ويقال لهم: "الجهنميون". هنا بعدما يخرج من النار من كان يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً، ويدخلون الجنة، يأمر الله تعالى أن يؤتي بالموت على صورة كبش أملح، ويجعل بين الجنة والنار، ثم ينادي منادٍ: "يا أهل الجنة" فيفزعون خوفاً من أن يخرجوا منها، وهي آخر فزعة، وينادي: "يا أهل النار" فيفرحون طمعاً في الخروج من النار، فيذبح الموت ويقول المنادي: "يا أهل الجنة خلود فلا موت، يا أهل النار خلود فلا موت"، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم، وترى أهل النار يصرخون وينوحون ويدعون على أنفسهم بالموت فلا يجابون، ينادون الملائكة: "واثبوراه واثبوراه"، فتقول الملائكة: قال النبي ثم يأتي النعيم الأعظم في الجنة، يأتي الله تبارك وتعالى ويقول لأهل الجنة: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ربنا، ألم تبيض وجوهنا؟! ألم تدخلنا الجنة وتنجّنا من النار؟! قال: فيكشف الحجاب عن وجهه سبحان، فينظر أهل الجنة وهم في صعيد واحد إلى وجه ربهم حقيقة، لا يضامون في رؤيته، ينظرون إلى الرحمن الرحيم، الملك القدوس السلام المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور العزيز الحكيم، ينظرون إلى من ركعوا له وسجدوا له طوال حياتهم، ينظرون إلى من تحملوا كل بلاء لأجله، ينظرون إلى من استعذبوا كل عذاب طمعاً في لقائه، قال ويخلدون خلوداً أبدياً لا يتصوّر، في نعيم مقيم، لمثل هذا فليعمل العاملون، وفي مثل هذا فليتنافس المتنافسون، ولأجل النظر إلى المولى سبحانه فليقم القائمون وليصم الصائمون وليتصدق المتصدقون وليستعفف الذين هم لربهم يرهبون. وإلى هنا فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم سبحانـك اللهـم أنت الواحد كل الوجود على وجودك شاهد يا حي يا قيـوم أنت المـرتجى وإلى علاك علا الجبين الساجـد يا من له عنت الوجوه بأمـرها رهبـاً، وكـل الكائنات توحد أنت الإلـه الواحد الحق الذي كل القلوب لـه تُقِـرّ وتشهد نسألك ربنا أن تؤتينا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
|
النار... والخلود في الدارين
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق