فتاوى الفقه وأصوله


السؤال 1

نرجوا من الشيخ الفاضل ابو جابر ان نجد عنده الجواب و جزاه الرحمن اعالي الجنان

اولا :: شيخ كما نعلم انه في اغلب العطور هناك كحول و نعلم انه اذا كانت نسبة الكحول اكثر من 60/ فهذا العطر لا يجوز ،لكن في عطور هذا الزمن صارت تستخدم بـــ الكحول المعالج denatured أو denat هو عبارة عن كحول إيثيلي مضاف
إليه مادة سامة بحيث تمنع الذين يشربونه للسكر من شربه, فإذا شربه ربما أو
سوف يصاب بالعمى و بمعنى هدا نستنتج انه غير مسكر فما رأيك في مثل هذه العطورات ؟؟؟؟

ثاني شي :: ما حكم *ليماش* بمعنى صبغ البعض من الشعر و ترك البعض الاخر دون صبغ ، مع العلم ان لون الصبغة يقارب لون الشعر ،ليس كما يفعل البعض في زمننا تقليدا للغرب بوضع جل الالوان كالببغاء او بعض الالوان التي ليست من الفطرة اصلا ؟؟

ثالثا :: ما حكم تصديرة العروس التي لا تتجاوز ثلا
ث بدلات

الجواب
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.

الجواب عن السّؤال الأوّل: حكم استعمال العطور الكحوليّة.

فلا بدّ أن نعلم – حفظك الله ورعاك – أنّ العبرة بالمسمّى، فإذا كانت المادّة الّتي تُستخدم لصنع العطور " خمرا "، فلا يغيّر تسميتها بغير ذلك من حكمها، وربّما ظنّوا ذلك حاصلا إذا سمّوها " كحولا " !

مع أنّ الخمر تسمّى في اللّغات الأجنبيّة كحولا فيقولون (alcohol)
، والمدمن على الخمر يسمّى alcoholic/ alcolique.

فلا أعلم إذا كان تسمية هذه المادّة " كحولا إيثيليّا " مجرّدَ اصطلاح علميّ، أو هي فعلاً خمرٌ مسكِر.

فإذا كانت المادّة المصنوع منها العطور خمرا مسكِراً فلا بدّ من شرطين اثنين:

الشّرط الأوّل: أن يكون الصّانع لها غير مسلم، كأن يشتريها من كافر.

لأنّه لا يحلّ لمسلم اقتناء الخمر واستعمالها، وقد أجمع العلماء على تحريم بيع الخمر وشراءها ولو كان الغرض استعمالها في غير الشّرب.

وإنّما ذكرنا هذا الشّرط قياسا على حكم الخلّ، فكما لا يخفى عليك – إن شاء الله – أنّ الخلّ لا يباح إلاّ بأحد الأوجه التّالية:

- الأوّل: شراؤها من الكفّار، لذلك روى أشهب عن مالك: إذا خلّل النّصرانيّ خمرا فلا بأس بأكله.

- الثّاني: أن تتخلّل وحدها دون قصد، وهو قول عمر رضي الله عنه وقبيصة وابن شهاب وربيعة ومالك والشّافعيّ في قول وهو ما جرى عليه محقّقو الشّافعيّة. ونقل ابن تيمية رحمه الله اتّفاق العلماء

عليه-كما سيأتي-.

- الثّالث: تخليلها بوضع بعض الخلّ أو الملح ونحوهما عليها، فتستحيل كلّها خلاً، وهذه حلال بالإجماع.

أمّا اقتناء المسلم للخمر لتخليلها، وكذا لصنع العطور منها، فلا يباح بحال من الأحوال، والأدلّة على ذلك كثيرة منها ما رواه أبو داود وأحمد عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ رضي الله عنه سَأَلَ النَّبِيَّ

صلى الله عليه وسلّم عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا ؟ قَالَ: (( أَهْرِقْهَا )) قَالَ: أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا ؟ قَالَ: (( لَا )).

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في " مجموع الفتاوى " (21/481):

" واتّفقوا على أنّ الخمر إذا انقلبت بفعل الله بدون قصد صاحبها، وصارت خلاًّ أنّها تطهر، ولهم فيها إذا قصد التّخليل نزاع و تفصيل، والصّحيح أنّه إذا قصد تخليلها لا تطهر بحال، كما ثبت ذلك عن عمر

بن الخطاب رضي الله عنه لما صحّ من نهي النبيّ صلى الله عليه وسلّم عن تخليلها، ولأنّ حبسها معصية، والطّهارة نعمة، والمعصية لا تكون سبباً للنّعمة " اهـ.

فإذا كان الرّسول صلى الله عليه وسلّم قد نهى عن إمساك الخمر لتحويلها إلى مباح-وهو الخلّ-، ولم يأذن بذلك حتّى لو كان هذا الخمر ليتامى، فإنّ
هذا يدلّ على أنّ إمساكها مع بقاء عينها والتعطّر منها

والتزيّن بها
منهيّ عنه بقياس الأولى، وهذا واضح جدًّا لا يحتاج إلى تأمّل.

وممّا يؤكّد أنّ الشّرع لم يرخّص في شيء من ذلك، أنّه حرّم التّداوي بها:

فقد روى مسلم عَنْ طَارِقِ بْنِ سُوَيْدٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلّم عَنِ الخَمْرِ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلّم: (( إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ )).

ومن المعلوم أنّ الشّارع يرخِّص لذوي الحاجات ما لا يرخَّص لغيرهم، ويبيح لهم ما لا يبيح لغيرهم، وأنّ المريض له أن يترخّص وأن يتناول بعض ما لا يجوز له تناوله وهو صحيح معافًى.

فالنّهي عن استعمال الخمر للدّواء - مع أن المستخدِم لهذا الدّواء هم المرضى - يدلّ من باب أولى على النّهي عن استعماله فيما لا حاجة فيه من الأمور التحسينيّة وهو التعطّر والتزيّن به خاصة وأن

هناك ما يقوم مقامه من العطور التي أباحها الله.

لذلك قال القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير الآية:

" قوله: (( فَاجْتَنِبُوهُ )) يقتضي الاجتناب المطلق الّذي لا يُنتفَع معه بشيء بوجه من الوجوه، لا بشُرب، ولا بيع، ولا تخليل، ولا مداواة، ولا غير ذلك، وعلى هذا تدلّ الأحاديث الواردة في الباب " اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في " مجموع الفتاوى "(22/225):

" ... ولهذا كان الصّواب الّذي هو المنصوص عن أحمد وابن المبارك أنّه ليس في الخمر شيء محترم، لا خمرة الخلال، ولا غيرها "اهـ.

وقال أيضاً في (21/485): " إنّ الله أمر باجتناب الخمر، فلا يجوز اقتناؤها، ولا يكون في بيت مسلم خمر أصلاً " اهـ.

الشّرط الثّاني:

إذا كان الصّانع للعطور الكحوليّة غير مسلم، فعندئذ يشترط الشّرط المذكور في السّؤال، وهو أن تتحلّل، بمعنى أن تذوب في مكوّنات العطر الأخرى، وذلك بأن لا تتعدّى نسبة مذكورة، يقدّرها الأكثرون

بأنّها ثلاثون في المائة، والله أعلم.

تذكير بشيء مهمّ:

لا بدّ لكلّ مسلم من أن يعلم أنّ الله تعالى قد سدّ جميع الطّرق لبيع الخمر وشرائها، حتّى لعنَ الخمر ذاتها وكلّ من لابسها، فروى الإمام أحمد وأبو داود عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ

صلى الله عليه وسلّم: (( لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ )).

وما لعنه الله أو النبيّ صلى الله عليه وسلّم فإنّه لا يسوغ لمسلم أن ينتفع به في شيء.

ألا ترى كيف أمر النبيّ صلى الله عليه وسلّم بتسيِيب الدّابّة الملعونة ؟

جاء في صحيح مسلم وغيره عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلّم قَالَ في النّاقة الّتي لعنتها صاحبتها: (( خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ )) قَالَ عِمْرَانُ: فَكَأَنِّي أَرَاهَا

الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ .

وفي رواية لمسلم أيضا عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلّم قَالَ: (( لَا تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ )).

فقد أمر صلى الله عليه وسلّم بعدم اصطحاب من لُعِن.

فإذا كان النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال هذا، وأمر بعدم اصطحاب من لُعِن مع أنّه:

مباح في الأصل.

وقد لعنه غيره ممّن لا يأتيه وحي ولا يأتي بشرع.

فكيف يكون الأمر فيما لعنه هو صلى الله عليه وسلّم، وأتاه في ذلك الوحي من السّماء، وهو محرّم ؟!.

****


الجواب عن السّؤال الثّاني: ما حكم ( ليماش ) ؟

أمّا ما يسمّى بـ" ليماش " فقد اختلف العلماء في ذلك:

1- فمنهم من أباحها بشرط عدم المبالغة، وبشرط استعمال الأصباغ المعروفة لا الأخضر والأزرق وغير ذلك ممّا تفعله الكافرات.

2- وبعض أهل العلم رأى أنّ ذلك ليس من زينة المرأة المسلمة، بل هو من زينة الكافرات أو غير الصّالحات.

لذلك كان الأحوط هو ترك هذا النّوع من الزّينة والله أعلم.

الجواب عن السّؤال الثّالث: ما حكم تصديرة العروس التي لا تتجاوز ثلاث بدلات ؟؟

هذا من جملة العادات، والأصل في العادات هو الإباحة إلاّ إذا اقترنت بشرك أو معصية.

فإذا قامت بهذه التّصديرة ببدلات ثلاث – كما جاء ذكره في السّؤال -، واجتنبت التّبذير والفخر، وكانت هذه البدلات ليس ممّا تُلبس يوم العرس فقط، فلا بأس بذلك.

أمّا ما يذكره بعضهم من أنّ ذلك فيه مباهاة وكسر لقلوب الفقيرات، فهذا غير وارد؛ لأنّ قلب الفقيرة ينكسر بغير ذلك، إذا رأت المركب الصّالح والمسكن الواسع، والحليّ الكثيرة، وعلى الفقيرة أن تكون

واعية بسنّة الله الكونيّة حيث قال:{ وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ } [النحل: من الآية71]

الجواب عن السّؤال الرّابع:

س) ما حكم لبس بلوزة طويلة طولها إلى حدّ الرّكبة، وتحتها بنطلون ضيّق. أرجو التّوضيح إذا كان فيه خلاف بين العلماء أفتوني مأجورين وجزاكم الرّحمن أعالي الجنان ؟

ج) أمّا فيما يخصّ لبس المرأة للبناطيل لزوجها فمحرّم، لأنّه من لباس الرّجال بمقتضى العرف والعادة، وهو من أسباب اللّعنة – عياذا بالله – وقد روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ:

( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ ).

ومن أخطاء الرّجل أنّه يطالب زوجته بلبس البنطال، فليعلم بأنّه ظالم لها، حيث أمرها بمعصية، بل وبما هو سببٌ للّعنة.

ومن الجدير بالتّنبيه عليه: أنّ هناك فرقا بين السّراويل والبناطيل، فلا بأس أن يلبس الرّجل السّراويل، لأنّ السّراويل لباس عريض لا يُحجّم العورة وهو لباس عربيّ شرعيّ، أمّا البنطال فهو لباس ضيّق

أتانا من بلاد العجم.

الجواب عن السّؤال الخامس:

س) ماحكم الاحتفاظ بالصّور الخاصّة وغيرها في الجوّال أو على جهاز الكمبيوتر ؟؟ وجزاكم الرّحمن أعالي الجنان، بورك فيكم، و نفع بعلمكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفيكم عاجلا غير آجل

والسّلام عليكم و رحمة الله.

ج) لقد سبق أن أجبت بتفصيل مطوّل عن حكم التّصوير، والاحتفاظ بالصّور، ولا بأس بأن أعيده:

فاعلموا – معاشر الإخوة والأخوات – أنّ التّصاوير نوعان:

* النّوع الأوّل: صور ما ليس له روح: كالجماد والنّبات وغير ذلك، وقد اتّفق العلماء قاطبة على جواز تصويرها واتّخاذها للزّينة في البيوت ونحوها.

* النّوع الثّاني: صور ما له روح: وهي نوعان أيضا:

1- إمّا تماثيل – ويعبّر عنها بعض الفقهاء بالصّور الّتي لها ظلّ – وقد أجمع الفقهاء أيضا على تحريم صنعها ونصبها.

وممّن حكى الإجماع ابن العربيّ المالكي رحمه الله كما في " الفتح " (10/391) و" شرح الزّرقاني " على " الموطّأ " (4/469).

أمّا قوله تعالى عن سليمان عليه السلام: { يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ } فهو من شرع من قبلنا، فكان جائزا في شريعتهم، ثمّ جاء شرعنا بالنّهي عنه وتحريمه كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر

رحمه الله في " الفتح " (10/469).

والأدلّة كثيرة على تحريمها، إلاّ ما استُثْنِي منها: وهي لعب البنات، والمقطوعة الرأس.

2-وإمّا صور لا ظلّ لها، وهي الرّسوم بجميع أنواعها كالمرسومة على الورق والمنقوشة على الجدران أو البسط وغيرها.

وهذه اختلف العلماء في تحريمها، على ثلاثة أقوال.

والصّواب هو التّحريم، وهو مذهب الحنفيّة كما في " البحر الرّائق " (2/27) و" حاشية ابن عابدين " (1/435)، والصّحيح من مذهب الحنابلة كما في " المغني " (2/308) و"الإنصاف"

(1/473).

والأدلّة على ذلك ما يلي:

* ما جاء في الصّحيحين عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّممِنْ سَفَرٍ، وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم هَتَكَهُ،

وَقَالَ: (( أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ )).

[( القِرام ): ستر فيه رقم ونقوش. و( السّهوة ): بيت صغير منحدر في الأرض قليلا يشبه الخزانة الصّغيرة يوضع فيها المتاع كما في "النّهاية " و" لسان العرب "].

* وفيهما أيضا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً -وهي الوسادة الّتي يُجلس عليها- فِيهَا تَصَاوِيرُ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْهُ،
فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ

الْكَرَاهِيَةَ
، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ صلّى الله عليه وسلّم، مَاذَا أَذْنَبْتُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ ؟)) قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا،

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ )) وَقَالَ: (( إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ )).

وفيهما أيضا عنها قَالَتْ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم مِنْ سَفَرٍ، وَعَلَّقْتُ دُرْنُوكًا فِيهِ تَمَاثِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ أَنْزِعَهُ، فَنَزَعْتُهُ.

[( الدُّرنوك )-ويقال: الدّرموك-: هو في الأصل ثوب غليظ وقد يُبسط مرّة فيسمّى بساطا، وقد يعلّق مرّة فيسمّى سترا].

أمّا استدلال بعض العلماء رحمهم الله بقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ الصُّورَةُ إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ )) وهو في الصّحيحين عن أبِي طّلْحَةَ، فإنّه لا يعارض الأحاديث
الكثيرة النّاهية

عن ذلك
، وحمله العلماء كما في " التّمهيد " (16/51) و" شرح مسلم " و" فتح الباري " على أنّه رقم غير ذوات الأرواح، أو ما كان له روح لكنّه مقطوع الرّأس ممّا لا يتعلّق به النّهي،
جمعا بين

الأدلّة
.

أمّا تفريقهم بين ذلك والصوّر الفوتوغرافيّة فبعيد من وجوه:

· الأوّل: عموم النّصوص النّاهية عن التّصوير، ولا يجوز إخراج بعض أفراد العامّ إلاّ بدليل.

· الثّاني: لو فرّقنا بين ما يُصنع باليد ويرسم باليد وما يصنع بالآلة، إذن للزِم أم نقول بجواز صنع التّماثيل بالآلة وتحريمها باليد !! فإن قالوا: لا فرق، قيل لهم: وكذلك شأن الصّور.

· الثّالث: ملاحظة العلّة، ألا وهي: مضاهاة خلق الله وكون الصّور ذريعة إلى الشّرك بالله، وأنّ الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة:

أ‌) أمّا المضاهاة: فهي بالتّصوير الفوتوغرافيّ أشدّ، إذ الّذي يرسم باليد لا يمكن أن يرسم جسم وشعر الإنسان كما خلقه الله، بخلاف الصّورة الفوتوغرافيّة فإنّها لا تدع شيئا إلاّ صوّرته.

ب‌) أمّا كونها ذريعة إلى الشّرك، فهو واقع، فها هم عبّاد البشر كالإسماعيليّة وغيرهم يسجدون لصور مشايخهم وساداتهم !

ولا يقولنّ أحدٌ: إنّ العقل البشريّ قد تقدّم في كلّ مجال !! وقد توصّلوا إلى اختراع ما لا يخطُر بالبال !!

فنقول: لو اتّبعت ذلك اليابانيّ الّذي أدهش العالم بما يخترع إذا انتهى من عمله، لرأيته يسارِع للسّجود لصنم ( كونفوشيوس ) أو ( بوذا ) !؟ فأين العقل ؟

لو أنصتَّ إلى ذلك الأوروبيّ الّذي يلهج الانهزاميّون بذكره، لسمعته يقول بالتّثليث، الّذي لا يفهمه كبار الرّهبان !!

نعم، العقل تقدّم في المجال الدّنيويّ، ولكنّه في المجال الرّوحي والتعبّدي لا يزال متعلّقا بالخيال، وصدق الله حين قال:{ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }.

ت‌) أمّا كون الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة، فهل يمكن أحدا أن يجزِم أنّ ذلك خاصّ بالصّور اليدويّة ؟!

أمّا ما كان فيه مصلحة التّعليم، والتّربية الهادفة، فلا بأس قياسا على لعب ودُمَى عائشة رضي الله عنه


السؤال 2

حول القنوت وحكمه
نصّ السّؤال الأوّل:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شيخنا الفاضل:

ثبت أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قنت في صلاته، وثبت أنّه لم يقنت.

فما هو حكم القنوت ؟ هل يشرع للمصلّي المفرد ؟ هل يكتفي الواحد في صلاة الجماعة بقنوت الإمام أو يجب عليه فعله ؟

نصّ الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.

فالقنوت المشروع نوعان:

·
قنوت نازلة: أي: إذا نزلت بالمسلمين مصيبة كغزو، أو أسرٍ للمسلمين، أو نحو ذلك.

- وهو مشروع مستحبّ لما رواه الإمام أحمد عن ابن عبّاس رضي الله عنهقال: " قَنَتَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّمشَهْراً مُتَتَابِعاً فِي الظُّهْرِ وَالعَصْرِ وَالمَغْرِبِ

وَالعِشَاءِ وَصَلاَةِ الصُّبْحِ، دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ إِذَا قَالَ: ( سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ) مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، وَيُؤَمِّنُ

مَنْ خَلْفَهُ
".

وثبت أيضا قريب من هذا في الصّحيحين عن أبي هريرة، وابن عمر وغيرهما رضي الله عنهم.

- وهذا يفعله الإمام، ويؤمّن المأمومون خلفه كما في الحديث. وإن صلّى في بيته لعذرٍ أتى به أيضا.

· قنوت الوتر: وهو دعاء خاصّ بصلاة الوتر، يأتي به قبل الرّكوع.

- وهو أيضا مستحبّ أحيانا في أيّام السّنة كلّها، لما رواه أصحاب السّنن الأربعة بسند صحيح عن الحسن بن عليّ رضي الله عنهماقال: علّمني رسول الله صلّى

الله عليه وسلّمكلمات أقولهنّ في الوتر:

((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لاَ يَذِلُّ

مَنْ وَالَيْتَ
، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ )).

وروى أبو داود وغيره عن أبي بن كعب رضي الله عنه:" أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ يُوتِرُ، فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ ".

وإنّما قلنا "
أحيانا "، لأنّ الصّحابة الّذين رووا صلاة الوتر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّملم ينقلوا جميعا أنّه كان يقنت، فدلّ على أنّه كان يفعله أحيانا.

-
ومحلّه قبل الرّكوع كما في حديث أبيّ بن كعب رضي الله عنه.

- وفي النّصف الثّاني من رمضان في صلاة التّراويح يُشرع الإتيان به
قبل أو بعد الرّكوع، ويرفع الإمام والمأمومون أيديهم، ويؤمّن المأمومون خلفه. [انظر

رسالة " قيام رمضان " و" صلاة التّراويح " للشّيخ الألباني رحمه الله].

· أمّا تخصيص القنوت بصلاة الفجر، فهذا يحتاج إلى وقفة على حدة:

فللعلماء أربعة أقوال في حكم القنوت في صلاة الصّبح:

1) القول الأوّل: أنّه سنّة مؤكّدة، يستحبّ المداومة عليه، وهو مذهب الإمام مالك والشّافعيّ رحمهما الله [" المدوّنة " (1/100)، و"الاستذكار" (6/201)،

و" الأمّ " (8/814)، و" المجموع " (3/494)]

2) القول الثّاني: أنّه منسوخ، والعمل به بدعة، وهو قول الإمام أبي حنيفة رحمه الله [" المبسُوط "(1/165)، و" فتح القدير " لابن الهُمام (1/431)].

3) القول الثّالث: أنّه لا يُشرع إلاّ في النّازلة، وهو قول الإمام أحمد وبعض متأخّري الحنفيّة. [" المغنِي " (2/587)، و" فتح القدير " (1/434)]

4) القول الرّابع: أنّه يجوز فعله وتركه، وهو قول الثّوريّ، والطّبريّ، وابن حزم، وابن القيّم [" تهذيب الآثار " للطّبريّ (1/337)، و" المحلّى "

(4/143)، و" زاد المعاد "(1/274)].

ولا شكّ أنّ لكلّ مذهبٍ أدلّته، والنّاظر في أدلّتهم رحمهم الله يجد تلك الأدلّة على نوعين:

- صحيح غير صريح.

- صريح غير صحيح.

وبيان ذلك في هاتين النّقطتين:

· النّقطة الأولى:

فنجزم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقنت في الفجر، ولكنّه قنوت نازلة.

وذلك بدلالة حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصّحيحين قال:

"
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، يَقُولُ: (( سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ )) يَدْعُو لِرِجَالٍ فَيُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَيَقُولُ: (( اللَّهُمَّ أَنْجِ

الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ )).

فهذا ظاهر أنّه في قنوت النّازلة.

ويؤيّـده ما رواه مسلم في " صحيحه " عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم ( كَانَ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ ). فإذا كانوا

يقنتون في الصّبح،
فلماذا لا يقنتون أيضا في صلاة المغرب ؟

فانظر أنّ هذا الحديث صحيح، ولكنهّ لا يدلّ على ما ذهبوا إليه.

واستدلّوا بصريح، ولكنّه غير صحيح، كحديث أنس رضي الله عنه أنّه قال: ( ما زال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقنت في الفَجر حتّى فارق الدّنيا )، وهو

حديث منكر لا يصحّ كما في " العلل المتناهية " (1/441) لابن الجوزيّ.

كما أنّ ألفاظ الدّعاء الّذي يأتي به إخواننا أئمّة المساجد المنتسبون إلى مذهب الإمام مالك، فهو غير ثابت.

· النّقطة الثّانية:

ما كان الصّحابة يرون المداومة على الدّعاء في صلاة الفجر، بدليل ما رواه التّرمذي وغيره عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه قَالَ:
قُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ، إِنَّكَ

قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ
صلّى الله عليه وسلّم، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ هَا هُنَا بِالْكُوفَةِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ، أَكَانُوا يَقْنُتُونَ ؟ قَالَ

رضي الله عنه: ( أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ ).

فهذا وذاك يجعلنا نتوسّط، ونأخذ بقول من قال: إنّ القنوت في الفجر وغيرها من الصّلوات يشرع للنّازلة، والله أعلم.

تنبيه مهمّ:

ونؤكّد لإخواننا القرّاء، أنّه إن أخذ المسلم بقول من الأقوال السّابقة، فإنّه لا يقتضِي ذلك تبديعَه، ولا تركَ الصّلاة خلفه، فإنّ هذا جهل بالدّين.

ولله درّ الإمام أحمد رحمه الله حين سئل:
عن قومٍ يقنتُون بالبصرة، كيف ترى الصّلاة خلفهم ؟ فقال: ( قد كان المسلمون يُصلُّون خلف من يقنت، وخلف من لا

يقنُتُ
). [نقله عنه ابن القيّم رحمه الله في كتاب " الصّلاة وحكم تاركها " (ص 120)].

فهذا إمام أهل السنّة، لا يحجّر واسعا، ولا يبدّع في الأمور الاجتهاديّة الدّقيقة مخالفا، نسأل الله التّوفيق والسّداد، والهدى والرّشاد.

وتذكّر أنّ ( العِبـرة فـي العبـادات بمـا فـي ظـنّ المكـلّـف ).

فإنّك تصلّي خلف الأئمّة المنتسبين إلى مذهب الإمام مالك رحمه الله، وهم يرون عدم مشروعيّة قراءة البسملة في الفاتحة، مع أنّ البسملة آية من سورة الفاتحة !!

فصلاته في نظرك باطلة، وفي نظره صحيحة، لكنّ العـبـرة في مثل هذه المسائل بما في ظنّه، لا بما في ظنّك أنت.

( فائدة ):

إذا صلّيت خلف من يقنت في صلاة الصّبح، وشرع يقنت بعد القراءة فلك خياران:

- إمّا أن تُمسِك عن الكلام وتظلّ صامتا.

- أو تقرأ في نفسك ما تيسّر من القرآن،
وهو أحسن، لأنّ مبنى الصّلاة ألاّ تخلُو من الذّكر من التّكبير إلى التّسليم.

والله تعالى أعلم، وأعزّ وأكرم.



السؤال

علي دين أستطيع تسديده في أربعة أشهر تقريبا, أقتطع كل شهر قسطا من المال للسداد, والدائن لم يعسر علي في السداد, عرض علي أحد الأخوة مبلغا من المال من الزكاة من أجل تسديد الدين, فهل يحل لي أخذ الزكاة

الجواب

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فاعلم – أخي الكريم – أنّ المدين الّذي تحلّ له الزّكاة هو الّذي يعجز عن السّداد، أو يجد مشقّة في تسديدها حيث تضيق عليه المعيشة بسبب سعيِه لتسديد ما عليه من الدّيون.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى شارحا معنى ( الغارمين) – كما في "مجموع الفتاوى " (28/274) –:

" ه
م الّذين عليهم ديون لا يجدون وفاءها، فيُعطَون وفاءَ ديونهم ولو كان كثيرا " اهـ

فإن كان يضيق عليك العيش من أجل تسديد الدّين فلك الأخذ من الزّكاة بمقدار ما عليك من الدّيون، وإلاّ فلا؛ لأنّ مثل القادر على تسديد دينه مَثَلُ من وعده شخصٌ بتسديد ما عليه، فإنّه لا يأخذ من الزّكاة.

والله أعلم.

السؤال

لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الفاظل عبد الحليم حفظك الله ورعاك وزادك الله حبا شغفا للعلم الشرعي ووفقنا واياكم الى خدمة الاسلام والمسلمين

شيخي الحبيب لدي سؤال وانا في يحرة من امري انا شاب من الشباب ولدي دين مالي قدره 11مليون وقد طردت من العمل وسبب اقتراضي للمبلغ احد الاشخاص من طلب مني ذالك ووفى ووعدني برد المبلغ وهو دين عليه وانا في حيرة من امري مع صاحب الدين الذي اقرضني ولكوني طردت من العمل وانا الذي ينفق ومتكفل بالعائلة فما نصيحتك لي انا في كربة شديدة وما حكم هذا الذي طلب مني ان اقترض المبلغ ثم تهاون في رده وبارك الله فيك

الجواب
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:

فنسأل الله لنا ولكم أن يفرّج عنّا همومنا، وينفّس عنّا كروبنا، وأن يهدينا والمسلمين جميعا إلى صراطه المستقيم، وشرعه القويم.

أمّا فيما يتعلّق بقضيّتك أخي المسلم، فهي مثال من الأمثلة المطروحة اليوم على طاولة العلاقات الأخويّة الّتي أفسدها الإخلاف بالوعد، والغشّ في المعاملة، نسأل الله العفو والعافية.

واعلم أنّه لا ينبغي أن تندم على عملك تجاهه، فأنت كنت تريد المساعدة والعون، فأجرك على الله، وتذكّر قول النبيّ
صلّى الله عليه وسلّم:

((
المُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ، وَالفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ )) [رواه أبو داود وغيره بسند حسن].

أي: إنّ المؤمن إذا خُدع، فهو لا يُخدع لأنّه مغفّل، ولكنّه ( غِرٌّ )، بمعنى أنّه يعامل النّاس بالفطرة وحسن النيّة، وزاد على ذلك أنّه ( كريم )، فهو يُظهر كرم الله تعالى على عباده.

فمن خدعنا بالله انخدعنا له.

ولكن أنبّهك على أمر مهمّ، وهو الإشهاد على المعاملات الماليّة كالقرض ونحوه، فإنّ الإشهاد من الحرم الّذي أمرنا الله به، والّذي يتهاون في الإشهاد – بحجّة الثّقة ونحو ذلك -، فإنّه مقصّر يوقِع نفسه في

الهلاك، فعقابا له على سوء تصرّفه يحرمه الله إجابة الدّعاء، ودليل ذلك ما رواه الحاكم في " المستدرك " (2/331)عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ
صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:

((
ثَلاَثَةٌ يَدْعُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُمْ: رَجُلٌ كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ سَيِّئَةُ الخُلُقِ فَلَمْ يُطَلِّقْهَا، وَرَجُلٌ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ آتَى سَفِيهًا مَالَهُ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى:{ وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ

أَمْوَالَكُمْ
})).

[قال الحاكم: " هذا حديث صحيح على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه "، ووافقه الذّهبي في " التّلخيص "، وصحّحه الشّيخ الألباني رحمه الله في " صحيح الجامع " (1/590 رقم: 3075)].

أمّا نصيحتي إليك، فعلبك:

· أوّلا: بالدّعاء:

فالله هو القائل:{
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ }، وأنفع الأدعية في هذا الباب:

أ‌) ما رواه البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ: ((
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا

وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ ))، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنْ الْمَغْرَمِ ؟! فَقَالَ: (( إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ )).

ب‌) ما رواه التّرمذي عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال:
كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ، قَالَ: (( قُلْ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ،

وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ
)).

· ثانيا: احذر الحياء المذموم:

فكثير من الإخوة الّذين يكون عليهم دينٌ، تراهم يتهرّبون حياءً من الدّائن، وهم يظنّون أنّهم على خير، والحقّ أنّهم يفتحون على أنفسهم باب سوء الظنّ بهم، فيتّسع الخرق على الرّاقع، وما لذلك الشّر من

دافع.

بل عليك أن تحدّثه وتخبره، وتستسمحه بين الحين والآخر، فإنّ طلب العفو دواء للجراح، مزيل للأقراح.

· ثالثا: استعِن بأهل الفضل:

أ‌) فأوّل الخطوات، أن تستعين بمن يستحي منهم، أو يخشاهم، فلعلّهم يعيدون حقّك إليك,

ب‌) ثاني الخطوات: أن تقترض من آخر، حتّى يُعيد إليك المدين مالك، أو لعلّ الله يُحدث بعد ذلك أمرا، فإنّ الله شرع القرض لئلاّ يقع المسلم في مذمّة المسألة.

ت‌) ثالثا الخطوات: عليك بالمسألة، أن تسأل أهل اليسار يعينونك على قضاء دينك، فهو حقّ المسلم على أخيه المسلم، وأنت حينئذ من أهل الزّكاة، وما أباح الله المسألة إلاّ لئلاّ يقع المسلم في باب السّرقة

ونحوها.

أمّا ذلك الأخ، فإن كان هو الآخر مُعسِرا، ولديه ما يبيعه، فعليه أن يبعه ويقضِي دينه، وإلاّ فيجب إنظاره، لقوله تعالى:{
وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ }.

أمّا إن كان مماطلا – أي: لديه ما يقضي به دينه وصار يماطل-، فذلك يستحقّ العقوبة، واستحلّ عرضه، بمعنى أنّه يجوز فضحه، ولا غيبة له، لما رواه البخاري عن النبيّ
صلّى الله عليه وسلّم قال:

((
مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ ))، وفي رواية لغيره: (( لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عُقُوبَتَهُ وَعِرْضَهُ ))، واللّي هو المماطلة.

نسأل الله لنا ولكم التّوفيق، وأن يعجّل التفريج عنّا وعنك، إنّه أكرم مسئول وأعظم مأمول



السؤال

سؤالي الأول:

جدتي مريضة جداااا و هي مقعدة في الفراش لا تستطيع النهوض، حتى أنها لا تستطيع
الذهاب الى الحمام " أعزكم الله"، أريد منكم توضيح لي مسئلة الصلاة
و الوضوء فى هذه الحالة؟
جزاكم الله خيرا



سؤالي الثاني:

هذه الجدة لديها بعض المال و لديها ذهب (اللويز كيما يقولوا الجزائريين)
و أرادت أن تعطي أكبر نسبة من هذا الذهب الى بناتها ، فهل هذا يجوز و كيف
يكون التقسيم اذا لا يجوز؟ مع العلم أنا لديها بنتين و ثلاث أولاد

جزاكم الله خيرا....ووفقكم الله الى ما يحبه و يرضاه



الجواب

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:

فالجواب عن السّؤال الأوّل:

فإنّ المريض إذا تعذّر عليه القيام لقضاء حاجته، ثمّ الوضوء لأداء صلاته، فإنّ على القائمين عليه أن يعينوه على ذلك كلّه.

وفيما يخصّ قضاء الحاجة، فإنّ ثمّة وسائل كثيرة، من خلالها يمكنه قضاء حاجته دون القيام إلى بيت الخلاء، ويستنجي بنفسه إن استطاع، وإلاّ قام بذلك أولى النّاس به.

أمّا الوضوء، فيتوضّأ في مكانه أيضا من باب أولى، فإن عجز عن حمل الماء، فيوضِّئه أهله، فإن لم يجد من يقوم بذلك، تيمّم، وإن عجز وخشِي خروج الوقت، صلّى من غير طهارة.

لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور، والحرج مرفوع ومدفوع، كما هو مقرّر في قواعد الشّريعة، بناء على قوله تعالى:{
لاَ يُكَلِّف اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا }، وقوله تعالى:{ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ }.

الجواب عن السّؤال الثّاني:

فإنّ ما ستقوم به جدّتك – حفظها الله وأطال عمرها في طاعته – يعدُّ هِبةً، لأنّها حال الحياة.

وقد اتّفق الفقهاء على أنّه يجب العدل في الهبة بين الأبناء، لقوله
صلّى الله عليه وسلّم لبشير بن سعد رضي الله عنه: (( أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا ؟ )) قَالَ: لَا. قَالَ: ((فَاتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ

أَوْلَادِكُمْ )).

فلا يحلّ لها أن تعطِي البنات دون الأولاد، إلاّ برضى الأولاد، لأنّ ذلك ممّا يجلب العداوة والبغضاء، والحسد والشّحناء بين الأبناء.

تنبيه مهمّ:

الصّحيح أنّ العدل المأمور به في الهبة هو نفسه العدل المأمور به في الميراث، بمعنى: أنّها تُعطِي الذّكر مثل حظّ الأُنثيين.

وبهذا قضى شريح، وإسحاق، ومحمّد بن الحسن، وبه قال الحنابلة، ورجّحه شيخ الإسلام ابن تيمية. ذلك:

أ ) لأنّ الله قسم المواريث للذكر مثل حظ الأنثيين لزيادة حاجته، إذ المهر، والنّفقة إنّما تجب على الذّكر، وهذه الحكمة ظاهرة في العطيّة والهبة أيضا.

ب ) قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا )) موافقّ لما ذكرناه، لأنّ المثل في الحديث يفسّر بالمثل في قوله تعالى:{ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن }.

ج ) قال عطاء رحمه الله:" ما كانوا يقسمون إلاّ على كتاب الله ". أي: للذّكر مثل حظّ الأنثيين.

والله أعلم.


السؤال

السلام عليكم

اود من فضيلتكم تبيين التالي:

انا متخرج من الجامعة وبدون اي عمل منذ 2000 الى غاية يومنا هذا

طيلة هاته السنوات استفدت من بعض العقود كونترا.

شيخنا الفاضل كما تعلم ان اي مقاول اذا تقدم لأي مشروع يطلب منه تأمين احد المتخرجين الجامعين او من المعاهد الحاملين شهادة في الري ، الهندسة المدنية، مسير اشغال......او اي شهادة في الاختصاص(البناء، الاشغال العمومية.....).

وفي حالة حصول هذ المقاول على المشروع يقوم بتأميني مدة المشروع مع العلم أنني لا أعمل معه ولا أحضر لأي شيء.

بعد ذلك يأتيني مبلغ من المال قدره 9500.00دج قيمة التأمين من نسبة المشروع

يعتبر هذا الديبلوم كراء لصاحب المقاولة - هل هذا المبلغ حلال لي ام انه حرام؟

افدنا يا شيخنا الفاضل فأ،ا في حيرة من الأمر ولم أستخرجه فهو ما زال في الحساب البريدي...

اخوك نوار

الجواب
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:

فالظّاهر أنّ المبلغ الّذي يُعطَى للطّالب المتخرّج من الجامعة، إنّما يُعْطاه مقابل عملٍ ما، أو حضوره لأعمال المقاول – على الأقلّ -.

فإن كان هذا الشّرط مذكورا في العقد، فإنّه لا يحلّ أخذ المال إلاّ بشرطه المذكور، لقوله تعالى:{أَوْفُوا باِلعُقُودِ}

وإن لم يشترطوا ذلك، أو اشترطوا الحضور أحيانا فقط، وامتثلت ذلك، فهو حلال.

وأسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين أن يفرّج همومنا وينفّس كروبنا، ويغفر ذنوبنا، إنّه أكرم مسؤول، وأعظم مأمول.


السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أولا لقد طرحت هذا السؤال على أخ في منتدى اسلامي جزائري فنصحني بمنتداكم ولأول مرة أزوره وجزاكم الله عنا خيرا في خدمة هذا الدين.
السؤال:
-------
هل يجوز لي الدعاء لفتاة أريد الزواج بها في كل صلاه؟
مع العلم انه لم تكن بيننا اي مخالفة شرعية ولا حتى مكالمة هاتفية ولا كلام من هنا وهناك-صدق القول
-
أني تقدمت إلى فتاه لخطبتهاولأول مرة فكان ردها بعد مدة بعدم التفكير في الوقت الحالي بالزواج وانها الصغرى في أخواتها ّوان اهلها يرغبون في زواج اخواتها اولا.
غير انني استخير الله دائما أن يوفقني في هذا الامر
واجد كلامها غير منطقي فأنا محتار في أمري
هل أواصل الدعاء والصبر أو أعاود الكرة مرة أخرى؟
جزاك الله خيرا
اخوك نوار


الجواب

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمّا بعد:
فحبّ الرّجل للمرأة أو حبّ المرأة للرّجل أمرٌ لا يستأذن القلب، ولكنّ الشّريعة قوّمت هذا الشّعور وضبطته حتّى لا يكون بابا للفاحشة واستباحة لما حرّمه الله.
ولا بدّ أن نفرّق بين الحبّ الّذي يُفضِي إلى الزّواج، وبين العشق الّذي يُفسد المزاج.
فإذا أحبّ الرّجل الفتاة استخار الله تعالى، وسأل عن خلقها ودينها، وتقدّم إلى خطبتها، فإن وفّق الله بينهما، فنسأل الله أن يبارك لهما وعليهما ويجمع بينهما في خير، وفي الحديث الّذي رواه ابن ماجه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( لَمْ نَرَ لِلْمُتَحَابَّيْنِ مِثْلَ النِّكَاحِ )).
وإلاّ فيجب عليه الصّبْر، وألاّ يُحدّث نفسه عازما بأن تكون زوجتَه، فضلاً أن يسأل الله ذلك في كلّ صلواته لا لأنّ تحديث النّفس بذلك محرّم، ولكنّه ذريعة إلى مفاسد:
لأنّ ذلك يضرّه بما لا يمكن تصوّره
:
فإنّه يصبح شارد الذّهن ... منشغل الفؤاد ... إذا فتح مصحفه رأى صورتها ... وإذا كبّر في صلاته لهج بتذكّرها ...
وربّما سار به القِطار وتقدّم به السنّ وهو ينتظر نزولها، فإذا بها تركب قطارا غير قطاره، وتسير مسارا غير مساره !
فالاستخارة شُرِعت للنّظر في الأمر: هل تيسّر أو لم يتيسّر ؟
فإن تيسّر الأمر فاعلم أنّ الخير في ذلك، وإلاّ فاطرحه من فكرك وبالك.
فإنّما هي عواطف تختلج الصّدر وتسكن القلب، سرعان ما تتلاشى إذا نضج العقل وقوِي الإيمان، واحذر العواطف فإنّها للإيمان عواصف.
والله الموفّق لا ربّ سوا
ه

.............
نصّ السّؤال:
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عند صلاة النّافلة، وقد قامت صلاة الفريضة، هل الواجب الإتمام، أو التوقّف والدّخول مع الجماعة في الفرض ؟
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
فإذا كان المسلم يُصلّي نافلة أو تحيّة المسجد فأقيمت صلاة الفريضة فلا يخلو ذلك من حالين:
- أن يكون بقي عليه اليسير، حيث يغلب على ظنّه أنّه سيُدرك تكبيرة الإحرام مع الإمام، لأنّه يعلم أنّ الإمام سيسوّي الصّفوف، ممّا يجعله يدركه، فهذا لا بأس أن يتمّ صلاته.
- أمّا إن غلب على ظنّه أنّ الإمام سيفوته بتكبيرة الإحرام، فالواجب على المسلم أن يقطع النّافلة ويدخل مع الإمام، لما رواه مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةُ )).
وهذا حكم واضح صريح، إنّما اختلف العلماء في كيفية الخروج منها، أهو بتسليم، أم دونه ؟
فالجمهور على أنّه يخرج بتسليم، لما رواه التّرمذي عن عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنِ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مِفْتاَحُ الصَّلاَةِ الطَّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ )).
فلا يحلّ الخروج من الصّلاة إلاّ لسبب شرعيّ وبتسليم.
وذهب ابن حزم وبعضهم أنّه يخرج منها بلا تسليم جريا على أنّ النّهي يقتضي الفساد، و( لا ) في قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةُ )) تفيد البطلان، وعليه فهو كمن انتقض وضوءه يخرج من صلاته بغير تسليم.
والصّواب هو مذهب الجمهور، أنّ النّهي للتّحريم لا للبطلان، بقرينة ما رواه البخاري عن عبد الله بن مالك ابن بحينة قال: إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلا وقد أقيمت الصّلاة يصلّي ركعتين، فلما انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لاث به النّاس، وقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( الصَّبْحَ أَرْبعاً ؟ الصُّبْحَ أَرْبَعاً ؟)). وفي رواية مسلم قال: (( يُوشِكُ أَنْ يُصَلِّىَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ أَرْبَعًا )).
ووجه الدّلالة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اعتدّ بالرّكعتين اللّتين صلاّهما ذلك الصّحابيّ، والله أعلم.
.........................
نصّ السّؤال:
السّلام عليكم.
أنا شاب عمري 24 عاما، طالب في الجامعة، مشكلتي أنّي أقع في معاصي ثم أتوب و أعزم في قلبي أني لا أعود إلى هده المعاصي، ثمّ أعود لارتكابها.. فلم أجد وسيلة تبعدني عن هذه المعاصي إلاّ الصوم. فقرّرت أن أعاقب نفسي الأمّارة بالسّوء بـالصّوم ، أي كلّما وقعت في هذا الأمر فسوف أصوم مثلا 20 يوما أو 30 يوما عقوبة لنفسي.
فسؤالي هو: ما حكم هذا الصّيام ؟ و إن لم أصم فما يترتّب عليّ فعله ؟
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
فنسأل الله لنا ولك ولجميع شباب المسلمين الثّبات على دينه والتّوفيق إلى مرضاته.
أمّا صومك فلا بدّ منه، وذلك لما رواه البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:
(( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِفَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )).
فشبّه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصّوم للشّاب بـ( الوِِجاء ) وهو الخِصاء.
وتأمّل قوله صلّى الله عليه وسلّم: ( بالصّوم ) ولم يقل: " فعليه بالجوع وقلّة ما يثير الشّهوة "، ليجمع لك بين سببين لكسر الشّهوة، أوّلهما السّبب الشّرعيّ وهو الصّوم المحصّل للتّقوى، والسّبب الثّاني هو المادّي وهو تقليل الطّعام المثير للشّهوة.
قال ابن القيّم رحمه الله في " روضة المحبّين " (220):
" وقد أرشد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الشباب الّذين هم مظِنّة العشق إلى أنفع أدويتهم .. فأرشدهم إلى الدّواء الشّافي الّذي وُضِع لهذا الأمر، ثمّ نقلهم عنه عند العجز إلى البدل وهو الصّوم، فإنّه يكسِر شهوة النّفس ويُضيِّق عليها مجاريَ الشّهوة، فإنّ هذه الشّهوة تَقْوَى بكثرة الغذاء وكيفيّته، فكمّية الغذاء وكيفيتُه يزيدان في توليدها، والصّوم يضيّق عليها ذلك فيصير بمنزلة وِجاء الفحل، وقلّ من أدمن الصّوم إلاّ وماتت شهوته أو ضعفت جدّا، والصّوم المشروع يُعدّلها، واعتدالها حسنة بين سيّئتين، ووسط بين طرفين مذمومين، وهما: ( العُنَّة والغُلمة الشّديدة المفرطة ) وكلاهما خارج عن الاعتدال، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، وخير الأمور أوساطها. والأخلاق الفاضلة كلّها وسط بين طرفي إفراط وتفريط، وكذلك الدّين المستقيم وسط بين انحرافين، وكذلك السنّة وسط بين بدعتين، وكذلك الصّواب في مسائل النّزاع إذا شئت أن تحظى به فهو القول الوسط بين الطّرفين المتباعدين، وليس هذا موضع تفصيل هذه الجملة، فإنّا لم نقصد له وبالله التوفيق ".
وعليك أخي الكريم بالتّخلية والتّحلية:
أمّا التّخلية: ذلك بغضّ البصر ما أمكن، وعدم التحدّث مع الفتيات.
وأمّا التّحلية: فحلّ نفسك بمعالي الأمور، فإنّ الزّجاجة الفارغة إن لم تملأها بالماء مُلِئَت بالهواء. فتحلّ بالعفّة والعفاف، والدّعوة إلى الله في الجامعة، ونشر الخير بين الطّلبة، والسّعي إلى إقامة المعارض والنّدوات والمحاضرات واستقطاب الدّعاة وغير ذلك. فلا تكن سلبيّا وضع بصمتك في الوجود.
حفظك الله ورعاك. والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
.........
نصّ السّؤال:
ما حكم المرأة ماتت ومعها اللّولب الرّحمي ؟
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فقد تطرّق العلماء قديما وحديثا إلى مسائل كثيرة قريبة من هذا الباب، مثل أن يموت الرّجل أو المرأة وعليهما أسنان اصطناعيّة، فذكروا أنّ ما رُكّب في الإنسان ومات به:
- إمّا أن يكون له قيمة معتبرة، كأسنان الذّهب، فتُنزع منه إن لم يحصل تشويه للميّت، وإلاّ دُفِنت معه. لأنّه لا يجوز تشويه المسلم.[" مجموع فتاوى ابن باز رحمه الله" (13/115)، و" فتاوى اللّجنة الدّائمة " (8/356)].
- وإمّا أن يكون لا قيمة له، كأسنان من غير الذّهب، فهذا يُدفن معه، قال الشّيخ ابن عثيمين رحمه الله في " الشّرح الممتع ":
" أمّا ما لا قيمه له فلا بأس أن يدفن معه كالأسنان من غير الذهب والفضة، وأمّا ما كان له قيمة فإنه يؤخذ، إلا إذا كان يخشى منه المثلة ". انتهى.
الحاصل: أنّ المرأة المشار عليها تُدفن بما كان في رحمها، وذلك لأمرين:
الأوّل: أنّ اللّولب الرّحمي ليس مالا حتّى يُسعى في استرجاعه، فانعدمت المصلحة.
الثّاني: أنّ ذلك يُفضي إلى مسّ عورة المرأة من غير ضرورة، فحصلت المفسدة.
فإذا نتفت المصلحة وتحقّقت المفسدة دُفِنت بما عليها، ونسأل الله تعالى أن يتغمّد موتى المسلمين برحمته الواسعة.
نصّ السّؤال:
salam alikoum warahmatou lahi wa barakatouh
je viens d'accomplir le mois de ramadhan dernier manassek el omra el hamdou lilah ça c'est trés bien passer in challah makboula seulement aprés mon retour j'hésité beaucoup de revenir à mon travail sachant que cette omra résulte d'un tirage au sort à mon travail SONELGAZ je portes à votre connaissance que je travail dans un endroit quiregroupe les deux sexes c'est à dire hommes et femmes seulement c'est un espace ouvert et découvert et je ne vous caches pas j'ai besoin de mon argent pour aider mes parents sachant que je portes le hidjab moultazim et que je suis trés retirer je vous demandes une fatwa à ce sujet c'est à dire doit-je continuer à travailler ou il vaut mieux arréter pour conserver les hassanet que j'ai gagner à ma omra baraka lahou fikoum
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فتقبّل الله طاعتك، وزادك الله من فضله، وثبّتك على مرضاته.
أمّا فيما يخصّ عملك المذكور، فأنت تعلمين – إن شاء الله - أنّ عمل المرأة ليس محرّما لذاته، وإنّما لما يترتّب عليه من محرّمات ومفاسد ومن أفظعها اختلاط الرّجال بالنّساء.
فإن كان عملك يحوِي هذين الشّرطين:
- الحاجة الملحّة إليه، كما جاء في سؤالك، والحاجة الملحّة لا تعني التوسّع.
- أن يكون الرّجال بعيدين عنك، بمعنى أنّهم لا يُبصرونك، ولا يمكنهم النّظر إليك.
فإذا تحقّق هذان الشّرطان فلا بأس، ونسأل الله تعالى أن يفتح لك أبواب السّماء والأرض.
وإلاّ فاعلمي أنّ الله قد وعد ووعدُه الحقّ فقال: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، ومعنى التّنكير في قوله ( مخرجا ) التّعظيم، ومعنى ( حسبُه ) أي: كافيه.
فالله عند وعده، فهل العبد عند شرطه ؟
والله أعلم.
.....


نصّ السّؤال: من السائل: بوعلام
بسم الله الرحمن الرحيم
فنحن ستّة ذكور: واحد غير متزوج ولا يعمل، وخمس بنات متزوّجات.
مات الأب وترك الأمّ حيّة، وأمّها متوفّاة. للأمّ منحة ( بنت شهيد )، وأخرى ( منحة تقاعد الأب )، و( منحة أرملة مجاهد )، اشترك الإخوة الذّكور مع الأمّ في شراء قطعة أرض، ثمّ شرعنا في بناء سكن عليها، حيث إنّ بعضنا لم يشارك بالمال. وجعلنا العقار والسّكن باسم الأم. ويوجد سكن آخر اشتراه الأب المتوفّى باسم الأمّ ( زوجته ).
نريد - نحن الذّكورَ - من الأمّ أن تكتب لنا العقار الّذي عليه السّكن، ويبقى السّكن الّذي اشتراه الأب للبنات.
نرجو منكم أن توضحوا لنا هذا الأمر جزاكم الله خيرا.
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فلا يخلو الأمر من حالتين:
الأولى: أن تكونوا جميعا متراضين على ما ذكرت من القسمة، وجعل العقار باسم الذّكور، والبيت الّذي اشتراه الوالد رحمه الله باسم الإناث. فأنتم على ما تراضيتم به. لقوله تعالى: { لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ }. ويُعتبر ذلك تنازلا من الأمّ:
تكون قد تنازلت عن حصّتها في العقار الجديد.
وتنازلت عن بيتها الّذي اشتراه الوالد رحمه الله وكتبه باسمها، فجزاها الله خير الجزاء.
الثّانية: أن تكونوا غير متراضين على ذلك، فحينها ليأخذ كلّ منكم حصّته الّتي اشترك بها في البناء ويزول الإشكال.
تنبيه: في كلا الحالين لا بدّ من توثيق هذه الإجراءات عند موثّق مأمون.
والله أعلم وأعزّ وأكرم.
...

نصّ السّؤال:
السلام عليكم.
هل بإمكاني إخراج الزّكاة عن أبي المتوفّى رحمه الله، فإنّه لم يخرجها، حيث كنت كلّما سألته عنها كان يقول لي رحمة الله عليه: إنّ عليه دينا على محلّه وعلى المسكن.
فإن وجب عليّ إخراج الزّكاة، فكيف أحسبها ؟ أفيدوني أفادكم الله.
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فاعلم أخي الكريم أنّه إذا مات الإنسان وجب قبل تقسيم التّركة أمور:
1- تجهيزه من ماله، كدفع أجرة دفنه وغسله وثمن كفنه.
2- قضاء الدّيون عنه: والدّيون نوعان:
- ديون الله: كالكفّارات، والزّكاة، والدّيات، والفديات، والنّذر، ونحو ذلك.
- ديون العباد: وهو ما أقرضه إيّاه النّاس، أو تركوه عنده وديعةً، ونحو ذلك.
فتُخرِجون من ماله الدّيون المتعلّقة بذمّته حتّى ولو استغرقت جميع ماله ولم يبق شيء.
1- الوصيّة، وذلك بشرطيها: ألاّ تتعدّى الثّلث، وألاّ تكون لوارث.
2- بعد ذلك كلّه: يأتي الميراث.
وعليه، فإنّه يجب قضاء دينه قبل تقسيم تركته، واختلفوا أيّهما يقدّم إن لم يبق من المال إلاّ ما يسدّد به ديون الله أو ديون العباد: قولان لأهل العلم، والرّاجح من أقوال العلماء- والله أعلم - هو قضاء ديون العباد قبل ديون الله تعالى[i]، ذلك لأمرين:
- أنّ هناك من يطالب بها، وحقوق العباد مبنيّة على المشاحّة، وحقوق الله مبناها على المسامحة.
- أنّ الزّكاة لا تجب على المرء إذا كان مدينا، لأنّ من شرط وجوب الزّكاة الملك التامّ.
فتخرج من تركته ديون العباد الّتي عليه كالدّيون المترتّبة على المحلّ والمسكن. فإن بقي بعد ذلك شيء - وهو مستبعدٌ حسَب ما جاء في السّؤال- تخرج زكاة السّنوات الّتي لم يُخرجها.
تنبيه: لو لم يترك شيئا كثيرا حتّى يُقضَى عليه دينه، فمن أبرّ البرّ به والإحسان إليه أن تسعى لتسديده من ملك ومال إخوانك والمحسنين، لما جاء أنّ المسلم محبوس بدَينه، حتّى الشّهيد.
هذا عموما ما يتعلّق بالجواب عن سؤالك، ولقد أرسلت إليك برسالة أطالبك فيها بالاتّصال لتتلقَّى الجواب مباشرة ، حتّى لا يكون ثمّة سوء فهم، ولكنّك لم تفعل فعساك بخير إن شاء الله تعالى.
والله أعلم وأعزّ وأكرم.

[i]/ وهو مذهب المالكيّة خلافا للحنابلة، واستدلّوا بعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( فدين الله أحقّ بالوفاء )).
........
نصّ السّؤال:
ما حكم اللّحية ؟ وما حدودها ؟ وهل يجوز قصّها ؟ وجزاكم الله كلّ خير.
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فقبل أن أجيبك فإنّه لا بدّ أن أذكّرك بإلقاء السّلام، فإنّها من السّنن المؤكّدة، حفظك الله ورعاك. فالسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمّا سؤالك فهو ذو نقاط ثلاث:
النّقطة الأولى: حكم اللّحية.
- أمّا حلق اللّحية فمحرّم بلا شكّ، وعليه المذاهب الأربعة. قال ابن حزم في " مراتب الإجماع " (ص175):
" اتّفقوا أنّ حلق اللّحية مُثلة لا تجوز ". والمثلة هي التّشويه للخِلقة.
وانظر " فتح القدير " (2/347) و" حاشية ابن عابدين " (2/418) في الفقه الحنفيّ.
و" الفواكه الدّواني " (2/402) و" حاشية العدوي " (2/409) في الفقه المالكي.
و" المبدع في شرح المقنع " (1/105) و" الفروع " (1/129) كلاهما لابن مفلح و" كشاف القناع " (1/75) للبهوتي في الفقه الحنبليّ.
و" المجموع " (1/290) و" شرح مسلم " للنّووي (3/149-151) و" فتح الباري " (10/350) لابن حجر في الفقه الشّافعي.
ولم ينقل خلافٌ في تحريم حلقها إلاّ عن بعض المتأخّرين منهم القاضي عياض رحمه الله وعفا عنه، وردّ العلماء هذا القول بشدّة.
- وسبب تحريم حلقها:
- أنّه من تغيير خلق الله، قال تعالى: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}.
والدّليل على أنّها من خلق الله أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عدّها من خصال الفطرة أي ما يُخلق عليه الرّجل، روى مسلم عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (( عَشْرٌ مِنْ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ [والِاسْتِنْجَاء])).
- وزيادة على أنّ في حلقها تغييرا للفطرة، فإنّ في حلقها أيضا مشابهةً للمشركين.
روى الشّيخان عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( خَالِفُوا الْمُشْرِكِين:َ وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ )).
- وفي حلقها مشابهة للنّساء، وإلاّ فلماذا لم يخلق للمرأة لحية ؟ قالت عائشة: زِينَةُ الرَّجُلِ في لِحْيَتِهِ.
- وقد أثبت الطبّ الحديث أنّ الّذين يحلقون لحاهم يعرّضون أنفسهم للأذى، والشّرع يحرّم علينا أن نضرّ أنفسنا.
النّقطة الثّانية: حدود اللّحية.
فاللّحية اسم لما نبت على الخدّين والذّقن.
وليس من اللّحية الشّعر النّابت أسفل الذّقن، ولكن لا ينصح بمسّه لأنّه حينئذ يقوى ويكثف الشّعر.
النّقطة الثّالثة: وهل يجوز قصّها ؟
روى البخاري تعليقا عن نافع رحمه الله قال: " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ ".
ووصله بالسّند المذكور إلى نافع مالك رحمه الله في " الموطّأ "، وهو قول بعض أهل العلم وعلى رأسهم عطاء في رواية، والإمام الشّافعي.
وهذا ظاهر الأثر، أنّه لا يُفعل إلاّ في النّسك – حجّ أو عمرة -، وليس كذلك، فقد قال الحافظ رحمه الله:
" الّذي يظهر أنّ ابنَ عمر كان لا يخصّ هذا التّخصيص بالنّسك، بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تتشوّه فيها الصّورة بإفراط طول شعر اللّحية أو عرضه، فقد قال الطبري: " ذهب قوم إلى ظاهر الحديث فكرهوا تناول شيء من اللّحية من طولها ومن عرضها، وقال قوم إذا زاد على القبضة يؤخذ الزّائد، ثمّ ساق بسنده إلى ابن عمر أنّه فعل ذلك، وإلى عمر رضي الله عنه أنّه فعل ذلك برجل، ومن طريق أبي هريرة رضي الله عنه أنّه فعله ".
واختار هذا القول عطاء وقال: إنّ الرّجل لو ترك لحيته لا يتعرّض لها حتّى أفحش طولها وعرضُها لعرّض نفسه لمن يسخر به.
إذن فيحرم مسّ اللّحية بحلق أو قصّ إلاّ إذا زادت على موضع القبضة: تقبض على اللّحية بيدك، فما زاد على ذلك قصصته.
إنّ اللِّحى من صنع ذي الجلال وهي أيضا زينة الرّجــال
وحلقها في شرعنا مذمــوم لأنّه زَيٌّ قفــــاه الرّوم
إيّــــاكمُ إيّـــاكمُ أن تـحـلقـوا لِحَــاكمُ
والله تعالى أعلمن وأعزّ وأكرم.
.......
نصّ السّؤال:
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته.
هل يجوز لي إعطاء زكاة مالي لأختي، مع العلم أنّنا نعيش معاً في بيت أبي، وأبي متقاعد ومنحته لا تكفينا ؟
بارك الله فيكم.
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
فلا شكّ – أخي الكريم – أنّك تعلم أنّ الزّكاة إنّما تجب بشرطين:
- الأوّل: بلوغ النّصاب.
- الثّاني: حولان الحول.
وإنّما اشترط الحول لأنّ المرء قد تكون في عنقه واجبات كأن ينفق على نفسه وأهله، فإذا مرّ العام ولم يكن له نصاب فلم تجب عليه الزّكاة، وإن كان لديه نصاب دلّ ذلك على أنّه مكفِيّ والحمد لله، فحينئذ يُخرج زكاة ماله.
إذا فقِهت ذلك: فإنّه يجب عليك إعانة والدك بالنّفقة على أهلك ومنهم أختك، فتعطِيها ما تحتاجه وجوبا لشراء حاجيّاتها، لأنّك ذكرت أنّ مال والدك المتقاعد لا يكفي ولا يسدّ الحاجة.
فإذا حال الحول ولم يبق لديك نصاب فلا تجب عليك الزّكاة أصلا، وإن كان نصاب تخرجْ زكاة مالك إلى المستحقّين من الفقراء والمساكين.
نعم، يجوز إعطاء زكاة مالك إلى أختك المتزوّجة -مثلا-، ذلك لأنّه لا يجب عليك رعايتها والنّفقة عليها.
وضابط إعطاء الزّكاة: كلّ من وجب عليك الإنفاق عليه لا يحلّ إعطاؤه الزّكاة، ومن لا يجب الإنفاق عليه يُعطَى من الزّكاة.
والله أعلم وأعزّ وأكرم.
.....




نصّ السّؤال:
بسم الله الرحمان الرحيم، أمّا بعد، السّلام ورحمة الله تعالى.
رفعت زوجتي دعوى قضائية طلبت فيها الخلع، وصدر القرار بالخلع المطلوب، هل بجوز لها شرعا الرّجوع ؟ وأنا حائر ما حكم الشّرع في ذلك جزاكم الله خيرا، والجواب في أقرب وقت، وشكرا، والسّلام عليكم. [كمال من البويرة]
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
فالخلع فسخ لعقد الزّواج، وإذا ما تمّ الخلع حصلت البينونة الصّغرى، بمعنى أنّه لا يحلّ لها الرّجوع إلى زوجها إلاّ بعقد جديد.
فإذا عزمت على إرجاعها، فعليك إحضار الشّهود وتطلبها من وليّ أمرها، وتدفع المهر.
هذا إذا لم يسبق لها طلقتان، أمّا لو كنت قد تلفّظت بالطّلاق من قبل مرّتين، فهذه تحسب ثالثة، فلا يحلّ لها الرّجوع حتّى تنكح زوجا غيرك، لأنّه صار حينئذ بائنا بينونة كبرى.
نصيحة: فلا شكّ أنّ إرجاع الزّوجة أمر مرغوب فيه، إلاّ أنّه لا بدّ من وقفة لكما أمام ما وصلتم إليه، وتضعان أيديكما على موطن الخطأ حتّى لا يتكرّر، وكما قيل: الخطأ جنديّ من جنود الصّواب.
والله أعلم وأعزّ وأكرم.
.....


نصّ السّؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد شاع عند الكثير من أفراد مجتمعنا حرمة عمل المرأة، ولو راعت في خروجها وعملها الضّوابط الشّرعية، فقد يُتّهم الرّجل الّذي يتزوّج بهذه المرأة في دينه، فيقع الخلاف بين الزّوجين بسبب هذا، فهروبا من كلام النّاس يلجأ الزّوج إلى منع الزّوجة من العمل، فينشب الخلاف، أو يلجأ إلى اعتزال جماعة الملتزمين، فيكون بذلك لقمةً سائغة للشّيطان, مع العلم أنّ الأخذ بالرّخص من الدّين (( إنّ الله يحبّ أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه )، فما موقف الشّرع من هذا ؟ أثابكم الله ووفّقكم لما يحبّه ويرضاه، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
فإذا كانت المرأة تخرج إلى العمل وقد راعت شرط الخروج وشرط العمل فلا بأس بذلك، ولا حرج.
وشرط الخروج:
- أن تكون متستّرةً كما أمر الله تعالى.
- وأن لا تخضع بالقول.
- وأن لا تخرج متعطّرة.
- وأن تَأمَن الفتنة فلا يتعرّض لها بالأذى.
- وألاّ تختلط بالرّجال.
فهذه شروط مطلوبة ولو خرجت إلى المسجد، لا علاقة لها بعملها.
وشرط العمل:
- أن يكون عملها مع بنات جنسها من أخواتها المسلمات. خاصّة إذا كان في ميدان المرأة، فتلك حازت قصب السّبق، كطبيبة، أو معلّمة، أو خيّاطة، ونحو ذلك.
لأنّ من المُضْحِكات المبكِيات أن يُزجّ بالمرأة في ميادين العمل الخاصّة بالرّجال، كالإدارة، ومؤسّسات الغاز والكهرباء ! والبريد ! ونحو ذلك، فهذا زيادة على أنّه ليس من مجالات المرأة، فإنّه يُعدّ السّبب الرّئيس في تفاقم ظاهرة البِطالة لدى الرّجال.
- وألاّ تفرّط في شيء من مسؤوليّاتها كتفرّغها لزوجها وأولادها.
فإذا كانت مراعيَةً لهذين الشّرطين، فلا يضرّ المرء كلام النّاس بعد ذلك، لأنّ إرضاء النّاس غاية لا تدرك، ولو مرضت نساؤهم فإنّهم حتما سيلجئون إلى هذه المرأة الّتي كانوا منها يشمئزّون، وعنها يتكلّمون.
أمّا أن يكون الرّجل يصبّ جامّ غضبه على زوجته من أجل كلام النّاس، أو يعتزل الجماعة الصّالحة فهذا من سوء التّقدير، وقبح التّدبير.
فوفّق الله الجميع لما يحبّه ويرضاه.
....




نصّ السّؤال:
السلام عليكم
سيّدي الشّيخ، أنا متزوّجة، و لم أنجب أبدا.
منذ 5 سنوات كفلت طفلا رضيعا مجهول النّسب، وحاولت إرضاعَه بتناول دواء يدرّ الحليب، لكن دون جدوى، ولم تكن لي أخت ترضع وقتها. الآن الطّفل عمره 6 سنوات وهو يعيش معنا كابن حقيقيّ، ونحن نحبّه وهو متعلق بنا كثيرا. وزوجة أخي أنجبت هل بإمكانها إرضاعه 5 رضعات لأصبح عمّته من الرّضاع، كحلّ شرعي لبقائه معي دون حرج عندما يكبر.
أغيثوني أرجوكم وشكرا.
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فوفّقك الله تعالى لما يحبّه ويرضاه، وزادك حرصا على أعمال البرّ والإحسان، وأنبت الله هذا الولد على طاعته ومرضاته. وقبل إجابتك على هذا السّؤال فهناك أمران أودّ ذكرهما:
- الأوّل: لا داعي لأن تنادي المخلوق بـ( سيّدي )، فالسيّد هو الله كما قال صلى الله عليه وسلم. أمّا لو توجّهت إلى من يلي أمور المسلمين، وتقولين: إلى السيّد فلان، فلا بأس، لأنّه في اللّغة ساد قومه بالولاية عليهم.
- الثّاني: أرجو ألاّ تكوني قد ألقبته باسمكم العائليّ، لأنّ هذا من التبنّي المحرّم، اللهمّ إلاّ أن تكتبي إلى جانب الاسم العائليّ: مكفول، أو فلان بالكفالة، كما أفتى بذلك العلماء، والفتوى مبثوثة في قسم الفتاوى بالموقع، فراجعيها.
أمّا فيما يخصّ سؤالك، فإنّ هذا يتعلّق برضاع الكبير، والأصل (( أنّ الرّضاعة من المجاعة ))، وأنّه (( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام )) كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم.
ولكنّه يجوز إرضاع الكبير بشرطين اثنين:
- الأوّل: وجود الضّرورة لذلك.
- الثّاني: أن تكون هناك حرمة معنويّة بين المرضع والرّضيع، كأن يكون تربّى في حجرها منذ صغره. فلا يحلّ له إن كان لا علاقة له بالمرضع ألبتّة.
وكلا الأمرين واقع في قضيّتك، زِد على ذلك أنّه لا يزال صغيرا ابن 6 سنوات كما جاء في سؤالك.
لذلك يجوز لزوجة أختك إرضاعه، فيكون ابن أخيك من الرّضاعة، وبذلك تحرمين عليه ويجوز لك حينها الخلوة به إذا كبر وإبداء زينتك أمامه، وكلّ ذلك عملا بالحديث الّذي رواه مسلم في "صحيحه" عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِى حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ - وَهُوَ حَلِيفُهُ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ((أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ وَيَذْهَبِ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ )). قَالَتْ: وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ ؟! فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: (( قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ )). فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِي فِي نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ.
ويرى الفقهاء أنّ المقصود بالرّضاعة هنا: أن تفرغ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ لبنها في إناء، وترسله لسَالِمٍ ليشربه، وتُكرّر ذلك خمس مرات وبذلك تحرم عليه.
وانظري كيف وُجِد الشّرطان:
الأوّل: أنّ سالما تربّى معهم منذ صغره، فهناك حرمة معنويّة.
الثّاني: وجود الضّرورة والمشقّة والحرج.
والله الموفّق.
.....


نصّ السّؤال:
طلّقني زوجي للمرّة الأولى، وقال: لم تكن نيّته الطّلاق، وأفتى له الإمام بأن يرجعني، بلفظ: أرجعتك.
و هذه المرّة طلّقني 3 مرّات في جلسة واحدة، كذلك في لحظة غضب، والحمد لله على أنّه قدره على قولها. وحلف اليمين على أن لن يعيش معي والأولاد.
لكنّه بعدما خرج عاد وكأنّ شيئا لم يكن.
ماذا أفعل من فضلكم ؟ صراحة لا أريده، لكن الأولاد يحتاجون أباهم.
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فاعلمي أيّتها الأخت الكريمة أنّ مسائل الطّلاق من المسائل لا نكتفي فيها بالجواب عن طريق الرّسائل، بل وأحيانا حتّى الهاتف، فإنّه لا بدّ من مجالسة كلا الزّوجين والسّماع منهما تفاصيل هذه القضيّة، فإذا كان هناك من آتاه الله علما وحلما في مدينتكم فلا بدّ من إتيانه وعرض الأمر عليه. أو على الأقل الاتّصال بهم هاتفيّا، وأرقام هواتف بعض الأئمّة معلن عنها بهذا الموقع.
ولا بد - مع ذلك- من تذكيرك بأمور مهمّة:
1 - أنّه إذا تلفّظ بالطّلاق بألفاظه الصّريحة، فإنّه لا يُبحث عن نيّته، بل يقع الطّلاق. وإنّما يُسأل المستفتي عن نيّته إذا تلفّظ بما ليس صريحا كقوله: الحقي بأهلك ونحو ذلك.
2- أنّه لا يُتصوّر من إنسان أن يُطلّق زوجته وهو فرحٌ مسرور، فلا بدّ أنّه يلجأ إلى ذلك عند الغضب، لذلك كان طلاق الغضبان فيه تفصيل، من أجله نطلب دوما من المعنِيّ بالأمر الحضور والسّؤال بنفسه.
3- ونصيحة إليك أيّتها الأخت، فإنّه لا بدّ أن تعلمي أنّه ما نزلت مصيبة إلاّ بذنب، وما رُفِعت إلاّ بتوبة، فانظري إلى أمرك وحاسبي نفسك، وجدّدي حياتك، فإنّ الله تعالى يقول:{ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال من الآية 70 ].
والله الموفّق إلى ما يحبّه ويرضاه
......



نصّ السّؤال:
بسم الله الرّحمن الرّحيم.
أوّلا وقبل كلّ شيء أحيّيكم بتحية الإسلام، فالسّلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبارك الله فيكم.
لي صديق في عمره 27سنة، وقد قام في يوم ما ومنذ عدّة سنين وهو لم ينضج بعد بالعادة السرية في نهار رمضان وهو صائم (مراهق). وهو الآن نادم، وقد تاب، ولكن كيف عليه أن بقضي ذلك اليوم ؟ وماذا لو كان قد كرّر العمليّة في أكثر من يوم ؟
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
فهذا عليه القضاء عند جمهور العلماء، ونقل الإمام ابن قدامة رحمه الله الإجماع على ذلك، واستدلّوا بما رواه البخاري وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (( الصِّيَامُ جُنَّةٌ..ل َخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُوَشَهْوَتَهُمِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا )).
فقوله صلى الله عليه وسلم ( يدع شهوته ) أعمّ من الجماع، ولا يمكن أن تخصّص الشّهوة بجماع الزّوجة، لأنّ ابن خزيمة وغيره روى الحديث بلفظ: (( يَدَعُ الطَّعَامَ مِنْ أَجْلِي، وَيَدَعُ الشَّرَابَ مِنْ أَجْلِي، وَيدَعُ لَذَّتَهُ مِنْ أَجْلِي،وَيَدَعُ زَوْجَتَهُ مِنْ أَجْلِي )). فدلّ على أنّ المراد بالشّهوة شيء زائد على مجرّد الشّهوة، والله تعالى أعلم.
فالأخ المشار إليه في سؤالك عليه أن يقضِي ذلك اليوم، وإن تكرّر منه ذلك قضى الأيّام الّتي باشر فيه هذه العادة القبيحة.
تنبيه: اعلم أيّها القارئ الكريم أنّ جوابنا هذا على قدر السّؤال، وإلاّ فيجب أن تعلم أنّ الاستمناء محرّم ولو في غير رمضان، فقد قال الله تعالى:{ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } [المؤمنون]، فالمؤمن يحفظ فرجه إلاّ من زوجه أو أَمَتِه، ومن طلب شهوته وراء ذلك، فهو من العادين، وكلّنا يعلم جزاء المعتدين.
والله الموفّق لا ربّ سواه.
......



نصّ السّؤال:
السّلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
أسألكم عن إمامنا الّذي يمسك لاقط الصّوت بيده اليمنى أثناء الصّلاة، ويركع وهو ممسك به ويسجد كذلك. مع أنّ اللاقط يمكن تثبيته في ثوبه.
بارك الله فيكم ودمتم في خدمه الدين، والسّلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
نصّ الجواب:
وعليكم السّلام ورحمه الله وبركاته.
أمّا إمساك لاقط الصّوت أو نحوه ككتاب أو أيّ شيء طاهر مباح طول الصّلاة فإنّه غير مُبطِلٍ للصّلاة، ولكن هل هو محرّم او مكروه ؟
1- فإن كان لحاجة، كحمل طفلٍ خشية بكائه أو كثرة تنقّله، أو حمل متع خشية سرقته، أو نحو ذلك ممّا يسمّى حاجة، فجائز بلا كراهة. ومنه حمل لاقط الصّوت في الصّلاة إن لم يمكن تثبيته.
ويدلّ على ذلك ما رواه مسلم ( أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَان يُصَلِّي وهوَ حامِلٌ أمامةَ بنتَ زينبَ بنتِ رسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص ).
قال النوويّ رحمه الله: " فيه دليل لصحة صلاة من حمل آدميا أو حيوانًا طاهرا من طير وشاة وغيرهما ".
ومن الضّرورات في ذلك حمل السّلاح في صلاة الخوف، قال تعالى: { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ}.
2- وأمّا إن كان من غير ضرورة ولا حاجة فكرهه جمهور العلماء، لأمور:
- لأنّ ذلك يشغل القلب عن الخشوع.
- ولأنّه يؤدّي إلى تضييع كثير من السّنن، كالقبض، ورفع اليدين، والاعتماد عليهما عند الهويّ إلى السّجود، والاعتماد عليهما للنّهوض، وغير ذلك.
- ولأنّ الأدب كلّ الأدب أن يقف المصلّي بين يدي الله تعالى على الهيئة الّتي كان وداوم عليها النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: (( صَلُّوا كَمَا رَأيْتُمُونِي أُصَلِّي ))، فلم يٌنقل عنه قط أنّه حمل شيئا من غير حاجة ولا ضرورة.
ومثل ذلك ما يفعله بعض المصلّين أثناء صلاة التّراويح من حملهم المصاحف لمتابعة الإمام، وكأنّهم أُمِروا بذلك !! وهؤلاء أضافوا مفسدة أخرى إلى ما سبق ذكره وهو: التشبّه بالنّصارى في صلاتهم، فإنّهم هو الّذين يحملون أناجيلهم ويتلونها خلف راهبهم.
فنسأل الله تعالى يلهمنا رشدنا ويهدينا سواء السّبيل.
........



نصّ السّؤال:
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل يجوز للمرأة أن تعمل في مخبر التّحاليل الطبية لإعانة زوجها، مع العلم أن غالب العاملات هنّ نسوة ؟ أفتونا مأجورين بارك الله فيكم وفي موقعكم المبارك. السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نصّ الجواب:
وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
فميدان عمل المرأة مشروع في جهتين اثنتين:
- الجهة الأولى: في المصالح النّسائيّة، كالمشافي، والعيادات الطبّية النّسائيّة، وكالتّدريس بمدارس البنات، ممّا ليس فيه محظور شرعيّ.
- الجهة الثّانية: عمل المرأة في بيتها: من تعليم وخياطة ونحو ذلك.
ومن منع المرأة من العمل خارج البيت لم يمنعه للعمل ذاته، وإنّما لانعدام شرطين واجب توفّرهما:
1- حرصها على ألاّ تختلط بالرّجال. وعليه فلا يكفي في سؤالك قولك: غالب العاملين نساء، بل لا بدّ أن يُفصل الرّجال عن النّساء.
2- ألاّ تفرّط في أجلّ أدوارها وأحسن أعمالها وهو القيام على بيت الزّوجية بالرّعاية والعناية وخاصّة تربية الأطفال وغمرهم بالحنان.
فإعانتك لزوجك إذا توفّر هذان الشّرطان فلا بأس، وبارك الله فكما وعليكما وجمع بينكما بخير.
والله أعلم وأعزّ وأكرم.
.......


نصّ السؤال:
السّلام عليكم و رحمة الله. فضيلة الشّيح لقد عمل أبي بمؤسّسة حكوميّة، و أعطوه منزلا على أساس أن يسكن فيه و يدفع مبلغا رمزيّا من المال كلّ شهر لمدة 22 سنة أو أكثر، ثمّ يصبح البيت له، و لقد ترقّى أبي في نفس المؤسّسة و تحوّل إلى مدينة أخرى، و أعطوه سكنا حكومياًّ غير قابل للتّنازل أو البيع، وعندما طالب الحكومة بالبيت الأوّل مع أنّه سكن فيه مدّة 23 سنة ودفع الكراء، لم توافق التّنازل له على البيت كما قيل له وعلى كلّ العمال مثله. و عندما ترقّى في المنصب و حوِّل إلى مدينة أخرى أعطوه بيتا آخر حكوميّا غير قابل للتنازل أو البيع، ويجب عليه الخروج من البيت ليستفيد منه أستاذ آخر، ولكنّ أبي قال لهذا الشّخص: سأسهّل عليك خروجي إن دفعت لي مبلغا من المال تعويضا لما دفعه للدّولة. وقد تمّ ذلك، وعندما عاد إلينا أعطانا نحن أهلَه مبلغا من المال على أساس هبة منه، فهل يجوز لنا استعمالُه، أي: أنا وإخوتي وأمّي ؟ مع العلم أنّه لم يردّه وأعطانا من هذا المال، ولم يكن لديه حينها غيره, وجزاكم الله خيرا والسّلام عليكم و رحمة الله.
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فنسأل الله تعالى أن يعوّض أباك وكلّ من حرِم من حقّه خيرا ممّا أخِذ منه.
ولا بدّ أن يعلم المسلم أنّه إذا أراد أن يُثبِت حقّا فإنّما ذلك بالحقّ، والمسلم لا يصل على الحقّ بالباطل أبدا، إنّما ذلك مذهب اليهود والنّفعيّين الّذين جعلوا شعارهم ودثارهم: {ليس علينا في الأمّيّين سبيل}، ونادوا ( الغاية تسوّغ الوسيلة ).
فكان الأولى بوالدك أن يصِل إلى حقّه بالطّرق الشّرعيّة، ويُقاضِي الجهات المعنيّة، فإن يسّر الله تعالى فذاك لفضله، وإلاّ فقدّر الله وما شاء فعل.
أمّا المال الّذي أعطاكموه، -وقد ذكرت أنّه لم يكن لديه غيره- فإنّه ليس مالا له، لأنّه باع وتنازل عمّا لا يملك، وفي الحديث الّذي رواه أهل السّنن عن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال له: ((لاَ تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ ))، ورووا أيضا عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه حديث أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( لاَ طَلاَقَ وَلاَ عِتَاقَ وَلاَ بَيْعَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ )).
وعليه فإنّ ذلك المال محرّم، لا يحلّ استعماله إلاّ من باب النّفقة الواجبة على الوالد تُجاه أهله: الأكل والشّرب واللّبس بالمعروف أي: دون توسّع.
وذلك لأنّه يجب عليه أن ينفق عليكم، وهو الّذي يُحاسَب على استعمال المحرّم.
أمّا من استغنى عن ماله فلا يطعَم منه شيئا، والله أعلم وأعزّ وأكرم.
.......




نصّ السّؤال:
بسم الله الرّحمان الرّحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته أجمعين، وبعد:السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
السّؤال: زكّيت على مال، وما بقي لي منه اشتريت به قطعةً من الغنم، فهل أزكّي على هذه القطعة من الغنم أم ماذا يجب عليّ ؟
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد: وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته.
فلكي تجب عليك الزّكاة في الغنم فإنّه لا بدّ من شرطين:
1 - بلوغ النّصاب، فإذا كان لديك أربعون شاةً وجبت عليك الزّكاة فتخرج شاة، ثمّ لا يجب عليك شيء حتّى يبلغ عددها مائة وواحد وعشرون شاة، فتخرج شاتين، إلى مائتين وواحدة فتخرج ثلاث شِياه. فإذا كان لديك أكثر من ثلاثمائة ففي كلّ مائة شاة. لكن ذلك بشرط آخر، هو:
2 - حولان الحول، فلا بدّ أن يمرّ عليك عام كامل وأنت تملك النّصاب.
والظّاهر من سؤالك أنّه لم يمرّ عليها عام، بما أنّك زكّيت عن مالك قريبا.
والله الموفّق.
.....
نصّ السّؤال:
كيفية صلاة الحاجة بارك الله فيكم ؟
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فالسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وكان الأولى أن تسبِقنا بها، فاحرص على تحيّة الإسلام قبل أيّ كلام حفظك الله.
أمّا فيما يخصّ صلاة الحاجة فهناك نوعان منها:
النّوع الأوّل: ما ليس مشروعا، بل هو من البدع المحدثات كما قال الشّقيري في " السّنن والمبتدعات " (ص 124).
ويستدلّون عليها بما رواه التّرمذي وابن ماجه والطّبراني عن عبد الله ابن أبي أوفى الأسلميّ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( من كانت له حاجة إلى الله أو إلى أحد من بني آدم، فليتوضّأ، فليُحسن الوضوء، ثمّ ليصلِّ ركعتين، ثمّ ليُثْنِ على الله، وليصلّ على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ ليقل: لا إله إلاّ الله الحليم الكريم، سبحان الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والغنيمة من كلّ برّ، والسّلامة من كلّ إثم، لا تدع لي ذنبا إلاّ غفرته، ولا همّا إلاّ فرّجته، ولا حاجة هي لك رضاً إلاّ قضيتها يا أرحم الرّاحمين )).
وقد ضعّفه التّرمذي من أجل أحد رواته، وهو فايد بن عبد الرّحمن أبو الورقاء، حيث قال: " يضعّف في الحديث ". وقال الإمام أحمد: "فايد متروك الحديث"، وقال يحيى بن معين: " ليس بثقة "، وقال أبو حاتم الرّازي: " ذاهب الحديث "، وقال ابن حبّان: " لا يجوز الاحتجاج به ". لذلك ذكره ابن الجوزي في " الموضوعات "، والسّيوطي في " اللّآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة "، وقال الشّيخ الألباني: " ضعيف جدّا "، وحكم عيه في " المشكاة " بالوضع.
النّوع الثّاني: صلاة مشروعة بشرط سيأتي بيانه بعد سرد دليلها.
فدليلها ما رواه التّرمذي وغيره[1] عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه أَنَّ أَعْمَى أَتَى إِلَى رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اُدْعُ اللهَ أَنْ يَكْشِفَ لِي عَنْ بَصَرِي. قَالَ: (( أَوْ أَدَعَكَ ؟)) قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ قَدْ شَقَّ عَلَيَّ ذَهَابُ بَصَرِي. قَالَ: (( فَانْطَلِقْ فَتَوَضَّأْ، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّي مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي أَتَوَجَّهُ إِلَى رَبِّي بِكَ أَنْ يَكْشِفَ لِي عَنْ بَصَرِي، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ، وَشَفِّعْنِي فِيه )). فَرَجَعَ وَقَدْ كَشَفَ اللهُ عَنْ بَصَرِهِ.
فغاية ما في هذا الحديث أنّ من كانت له حاجة، فإنّه يسنّ له أن يصلّي ركعتي يسأل الله تعالى فيها حاجته، وذلك من باب تقديم العمل الصّالح قبل الدّعاء، وهو أمر لا غبار عليه، بل هو من أجلّ القربات.
تنبيه مهمّ: معنى قوله: ( أتوجّه إليك بنبيّي ) أي: بدعاء نبيّي، ويدلّ على هذا التّقدير: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعده أن يدعُو له. فهو شفع دعاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى دعائه، لذلك أمره أن يقول: ( اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ، وَشَفِّعْنِي فِي نَفْسِي ).
وعليه، فإنّ هذا الدّعاء لا يشرع بعد موته صلّى الله عليه وسلّم، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد انتقل إلى الرّفيق الأعلى.
وللدّاعي أن يقول: اللهمّ إنّي أسألك بحبّي لنبيّك محمّد صلّى الله عليه وسلّم ، ويقف عند هذا.
ومن تمام الفائدة أن ننقل كلام الشّيخ الألباني رحمه الله في " التوسّل أنواعه وأحكامه "، حيث قال وهو يردّ على من استدلّ بهذا الحديث على جواز التوسّل بذات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
" وأمّا نحن فنرى أنّ هذا الحديث لا حجّة لهم فيه على التوسّل المختلف فيه، وهو التوسّل بالذات، بل هو دليل آخر على النّوع الثالث من أنواع التوسّل المشروع الذي أسلفناه[2]، لأنّ توسّل الأعمى إنّما كان بدعائه. والأدلّة على ما نقول من الحديث نفسه كثيرة، وأهمّها:
أوّلاً: أنّ الأعمى إنّما جاء إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليدعوَ له، وذلك قوله: ( ادعُ الله أن يعافيني ) فهو توسّل إلى الله تعالى بدعائه، لأنّه يعلم أنّ دعاءه صلّى الله عليه وسلّم أرجى للقبول عند الله بخلاف دعاء غيره، ولو كان قصد الأعمى التوسّل بذات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أو جاهِه أو حقِّه لما كان ثمّة حاجةٌ به إلى أن يأتي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ويطلب منه الدعاء له، بل كان يقعد في بيته، ويدعو ربه بأن يقول مثلاً: اللّهم إنّي أسألك بجاه نبيّك ومنزلته عندك أن تشفيني، وتجعلني بصيراً. ولكنّه لم يفعل، لماذا ؟ لأنّه عربيّ يفهم معنى التوسّل في لغة العرب حقّ الفهم، ويعرف أنّه ليس كلمة يقولها صاحب الحاجة، يذكر فيها اسم الموسَّل به، بل لا بد أن يشتمل على المجيء إلى من يعتقد فيه الصّلاح والعلم بالكتاب والسنة، وطلب الدّعاء منه له.
ثانياً: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعده بالدّعاء مع نصحه له ببيان ما هو الأفضل له، وهو قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ، وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ )). وهذا الأمر الثاني هو ما أشار إليه في الحديث الّذي رواه عن ربّه تبارك وتعالى أنّه قال: (( إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ - أَيْ عَيْنَيْهِ - فَصَبَرَ، عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الجَنَّةَ )).
ثالثاً: إصرار الأعمى على الدعاء وهو قوله: ( فادع ) فهذا يقتضي أن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم دعا له، لأنّه صلّى الله عليه وسلّم خيرُ مَن وفَى بما وعد، وقد وعده بالدّعاء له إن شاء كما سبق، فقد شاء الدعاء وأصر عليه، فإذن لا بدّ أنّه صلّى الله عليه وسلّم دعا له، فثبت المراد، وقد وجَّهَ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الأعمى بدافع من رحمته وبحرص منه أن يستجيب الله تعالى دعاءه فيه، وجَّهه إلى النّوع الثاني من التوسّل المشروع، وهو التوسل بالعمل الصالح، ليجمع له الخير من أطرافه، فأمره أن يتوضَّأ ويصلّي ركعتين ثمّ يدعو لنفسه، وهذه الأعمال طاعة لله سبحانه وتعالى يقدمها بين يدي دعاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم له، وهي تدخل في قوله تعالى: { وَاْبتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ } كما سبق.
وهكذا فلم يكتف الرّسول صلّى الله عليه وسلّم بدعائه للأعمى الّذي وعده به، بل شغله بأعمال فيها طاعة لله سبحانه وتعالى وقربة إليه، ليكون الأمر مكتملاً من جميع نواحيه، وأقرب إلى القبول والرضا من الله سبحانه وتعالى، وعلى هذا، فالحادثة كلها تدور حول الدعاء - كما هو ظاهر - وليس فيها ذكر شيء مما يزعمون ...
رابعاً: أنّ في الدّعاء الّذي علّمه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إيّاه أن يقول: ( اللَّهُم فشَفِّعْه فِيَّ )، وهذا يستحيل حملُه على التوسّل بذاته صلّى الله عليه وسلّم، أو جاهِه، أو حقِّه، إذ أنّ المعنى: اللّهم اقبل شفاعته صلّى الله عليه وسلّم فِيَّ، أي اقبل دعاءه في أن تردّ عليَّ بصري ..
فثبت بهذا الوجه أيضاً أن توسّل الأعمى إنّما كان بدعائه صلّى الله عليه وسلّم لا بذاته.
خامساً: إنّ ممّا علّم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الأعمى أن يقوله: (( وَشَفِّعْنِي فِيهِ )) أي اقبل شفاعتي، أي دعائي في أن تقبل شفاعته صلّى الله عليه وسلّم، أي دعاءه في أن ترد عليّ بصري. هذا الذي لا يمكن أن يُفهم من هذه الجملة سواه.
ولهذا ترى المخالفين يتجاهلونها ولا يتعرضون لها من قريب أو من بعيد، لأنّها تنسف بنيانهم من القواعد، وتجتثّه من الجذور، وإذا سمعوها رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشيّ عليه. ذلك أنّ شفاعة الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في الأعمى مفهمومة، ولكن شفاعة الأعمى في الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كيف تكون ؟ لا جواب لذلك عندهم ألبتّة. ومما يدل على شعورهم بأن هذه الجملة تبطل تأويلاتهم أنّك لا ترى واحداً منهم يستعملها، فيقول في دعائه مثلاً: اللهم شفع فيَّ نبيك، وشفعني فيه.
سادساً: إن هذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ودعائه المستجاب،وما أظهره الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات، فإنّه بدعائه صلّى الله عليه وسلّم لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره، ولذلك رواه المصنّفون في " دلائل النّبوّة " كالبيهقي وغيره، فهذا يدلّ على أنّ السرّ في شفاء الأعمى إنّما هو دعاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّمً.
هذا والله الموفّق لكلّ خير، إنّه سميع قريب مجيب.


[1]/ وقال: " حديث حسن صحيح غريب "، ورواه النّسائي وابن ماجه وابن خزيمة في " صحيحه " والحاكم وقال: " صحيح على شرط البخاري ومسلم ". [انظر " صحيح التّرغيب والتّرهيب "، و" التوسّل: أنواعه وأحكامه "].
[2] / وهو دعاء الرّجل الصّالح.
.....

نصّ السّؤال:
هل حديث: (( حرام أكل العلك لأنّه من أفعال قوم لوط )) ...هل هو صحيح ؟ وهل أكل العلك حرام ؟
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فلعلّك نسيت إفشاء السّلام، وهي تحيّة الإسلام، فالسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- أمّا العلك، فهو الّذي تعرفه العرب قديما: نبتٌ بأرض الحجاز يطول مضغُه، ولا يزالون إلى اليوم يسمّونه علكاً، وفي بلدنا الحبيب -حرسه الله- في غابات الأرز جهة الونشريس وغيرها من الجهات هناك ما يسمّى بـ( علك الصّنوبر )، وهو متداول بين النّاس يستعملونه في كثير من الأغراض. ولمّا أحدثوا هذا اللُّبان العصريّ وصاروا يمضغونه كالعلك، سُمّي علكا.
- أمّا ما ذكرته على أنّه حديث فقد رواه ابن أبي الدّنيا في " ذمّ الملاهي "، وهو حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. [انظر " الموضوعات " لابن الجوزيّ، و" المقاصدالحسنة " للسّخاوي، و" اللآلئ المصنوعة " للسّيوطي، و" كشف الخفاء " للعجلوني، و" اللّؤلؤ المرصوع " للقاوقجي].
ومثله ما رواه الطّبرانيّ عن ابن عبّاس ( ما هلك سدوم -وهم قوم لوط عليه السّلام- وما حولها من القرى حتّى استاكوا بالمساويك ومضغوا العلك في المجالس )!! وهذا كلّه من وضع الزّنادقة.
كما وضعوا أحاديث زعموا فيها أنّ مضغ العلك يورث النّسيان.
- أمّا حكم أكله: فإنّ الفقهاء تناولوا العلك بالبحث في عدد من المسائل، منها:
- هل إذا مضغه الصّائم يفطر أو لا ؟ [""، و" المدوّنة "، و" الأمّ "،" المغني "]
- وهل إذا علق بفمه شيء منه فمضغه في الصّلاة تبطل صلاته أو لا ؟ [" بدائع الصّنائع "، و" المدوّنة "، و" "]
- وهل من الأدب قراءة القرآن وهو يمضغ علكا [ " لقاء الباب المفتوح " (اللّقاء 148) مع الشّيخ ابن عثيمين].
- أمّا أكله فجائز بدليل بحثهم له في الأحكام السّابقة، ولكنّه يُكره أمام النّاس لأنّ طريقة مضغه تنافي الوقار والسّمت الحسن، والأدب والخلق، ويزداد الأمر كراهة إذا صحب ذلك فرقعته وغير ذلك.
قال ابن مفلح رحمه الله في " الفروع " وهو يعدّد خوارم المروءة: " ومضغ العلك لأنه دناءة، وإزالة درنه بحضرة ناس ".
وبعضهم أجازه للنّساء وكرهه للرّجال، فجاء في " الفتاوى الهنديّة "(الباب الثّامن عشر في التّداوي والمعالجات):
" ومضغ العلك للنّساء لا بأس به بلا خلاف، واختلف في مضغه للرّجال، قال شمس الأئمّة الحلواني: لا بأس به في حقّ الرّجال والنساء جميعا إذا كان لغرض صحيح، كذا في جواهر الأخلاطي" اهـ.
ويقصد بالغرض الصّحيح تطييب الفم، فقد كانوا يستعملونه بدلا من السّواك، أو مضغه لمن كان مصابا بمرض الفكّ، وبخاصّة المرّ منه فإنّ له فوائد للصّدر والجوف.
وسئل الشّيخ عبد الله الفقيه حفظه الله: مضغ العلكة خارج البيت هل هو حرام أو مكروه أو من باب الأدب ؟
فقال: " مضع العلك مباح ولا حرج فيه ولا إثم، سواء كان في البيت أو خارجه، لكن قد يكون من خوارم المروءة. وهذا يختلف من بلد إلى آخر، ومن شخص إلى آخر. والمطلوب من المسلم أن يحافظ على مروءته لأنّها شرط في عدالته، ومروءته تتحقق باجتناب الأمور الدنيئة المزرية به. ومضغ العلك في الأسواق وأمام الناس في عرف كثير من البلدان معدود من خوارم المروءة والله أعلم ". اهـ[1]
ومن " شرح زاد المستقنع " للشّيخ محمّد مختار الشّنقيطي حقظه الله ورعاه (الدّرس 417) ذكر أنّه:
" من خوارم المروءة، يعني: إن الحياء والمروءة أن لا يستعمله من له مكانة، كالوالد أمام أولاده، وهكذا الأم أمام بناتها وصغارها، وهكذا طالب العلم والعالم ومن له مكانة بين الناس، فمضغ اللبان يسقط مروءته ويدل على قلة حيائه .. وضابط ذلك أن يفعله أمام الناس .. فكونه يمضغ اللّبان أمام النّاس، فهذا يوجب سقوط عدالته والجرح في شهادته، ويدلّ على نقص عقله؛ لأنّ العقل يمنع من فعل هذه الأمور أمام النّاس.
والأصل الجواز، ولا حرج في مضغه، وكون الإنسان يمضغ اللبان لا حرج؛ لكن لا يفعل ذلك أمام الناس، وأما لو كان صغير السن كالأحداث ونحوهم فهذا مما جرت العادة باغتفاره .. وأمّا اللّبان الّذي يُتداوى به كمرضى السّكر ونحوهم لكونهم يحتاجون إلى وجود اللّعاب في أفواههم، وهكذا بالنسبة للّبان المرّ الّذي يتداوى به الإنسان فهذا لا إشكال فيه " اهـ.
والله أعلم وأعزّ وأكرم.


[1]/ نقلا من " فتاوى الشّبكة الإسلاميّة " رقم الفتوى (15782) بتاريخ: 12 صفر 1423
...

نصّ السّؤال:
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أمّا بعد:
فهل يجوز للمرأة أن تلبس الحذاء ذو الكعب في الأعراس ما بين النسـاء ؟
نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فالكعب العالي نوعان:
الأوّل: ما كان حادّ العقب عاليا من جهة العقب فقط، فيذكر العلماء عدّة عللٍ لتحريم الكعب العالي على المرأة، منها:
- أنّه يُميل المرأة، فتدخل في الوعيد الّذي جاء في قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ ))[1]. قال العلماء: ( مائلات ): يمشين متبخترات ( مميلات ) أي: لأكتافهنّ.
- أنّه يُحدِث الصّوت، فيلحق بالخلخال الّذي قال فيه المولى:{ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ }.
- أنّه ثبت ضرره على صحّة المرأة وخاصّة على ظهرها والعمود الفقريّ.
النّوع الثّاني: ما كان عاليا من بدايته إلى نهايته، فهذا جائز إلاّ في حالتين:
- الحالة الأولى: إذا كان أسفله مصنوعا من مادّة تحدثّ صوتا.
- الثّانية: أن تتّخذه المرأة لغرض دنيء وهو الاستشراف للرّجال، فإنّه أوّل ما ظهر الكعب العالي إنّما هو في بني إسرائيل، بغرض الاستشراف للرّجال، وليراها الرّجال، فقد روى عبد الرزّاق في " المصنّف " عن عبد الله بن مسعُودٍ بسند صحيح قال: كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُصَلُّونَ جَمِيعاً، فَكَانَتْ المَرْأَةُ لَهَا الخَلِيلُ تَلْبِسُ القَالِبَيْنِ تَطُولُ بِهِمَا لِخَلِيلِهَا، فَأُلْقِيَ عَلَيْهِنَّ الحَيْضَ " قال الرّاوي: فقلنا لأبي بكر: ما القالبين ؟ قال: رفيصين من خشب.
قال الحافظ: " وهذا وإن كان موقوفا فحكمه حكم الرّفع لأنّه لا يقال بالرّأي ".
ومعنى ( فأُلقِي عليهنّ الحيض ) ليس معناه ابتداء أمر الحيض، فإنّه مكتوب على بنات آدم جميعهنّ، وإنّما المقصود أنّه ابتلاهنّ بدم الحيض لا ينقطع عقابا لهنّ.
والله أعلم.

[1]/ رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله غنه.















1 التعليقات:

غير معرف يقول...

السلام عليكم و رحمة الله تعالى وبركاته شيخنا الامحترم ما حكم كراء ديبلوم الصيدلة و نيل الاجر من جراء دلك شهريا؟

إرسال تعليق