ترغيب أهل الإيمان إلى قراءة وتعلّم القرآن


الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين، وآله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:
فقد روى البخاري ومسلم عَنْ عُثْمَانَ رضيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ:
(( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ )).
ولنا مع هذا الحديث وقفات:
الوقفة الأولى:أنّ هذا الحديث قاله النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عصر ساد فيه العلم والعمل وتعليم القرآن، في زمن كانوا يتحدّثون ويمشون وينامون بالقرآن، فكيف الحال في زمن أعرض كثير من النّاس عن القرآن ؟
فلا شكّ أنّه يزداد خيرا على خير، وأجرا على أجر .. ذلك لأنّه كلّما ابتعد النّاس عن الخير، وتمسّكوا بمناهج الشّر والضّير، كان الصّالحون فيهم أعظم أجرا، لقلّة المعين، وندرة السّالكين، وقلّة الهالكين.
ونظائر ذلك كثيرة، منها:
* قوله تعالى: { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } [من الآية 10 من سورة الحديد].
ومنها: ما رواه مسلم عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ (( الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ )).
قال الإمام النّوويّ رحمه الله: " المراد بالهرج هنا: الفتنة واختلاط أمور النّاس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أنّ النّاس يغفُلُون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرّغ لها إلاّ أفراد " اهـ.
الوقفة الثّانية:اعلم أنّ التّعلّم والتّعليم لهما من الفضل ما لا يخفى، وهذا الفضل يرجع إلى تعليم أيّ شيء فيه نفع، وفي حديث أبي الدّرداء رضي الله عنه المشهور في السّنن أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ )).
وروى الدّارمي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: " مُعَلِّمُ الْخَيْرِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحُوتُ فِي الْبَحْرِ ".
فكيف بطالب القرآن ومعلّم القرآن ؟!
فلا شكّ أنّه قد حظي بالمقام الأعلى، والجزاء الأغلى.
الوقفة الثّالثة: إنّما جعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خير النّاس المتعلّم للقرآن والمعلّم له، ذلك لأنّ شرف العلم مرتبط بشرف المعلوم، وأشرف معلوم هو كلام الله تعالى.
فهو منبع كلّ العلوم والمعارف، فيه ينابيع التّوحيد الخالص، والمنهج الدّعويّ الواضح، والفقه السّليم، والخلق الكريم:{ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [الآية 164من آل عمران].
ويعجبني جواب الشّيخ العلاّمة ابن باز رحمه الله تعالى يوم سُئِل عن أحسن كتاب لتدريس العقيدة فقال: " كتاب الله ".
الوقفة الرّابعة: الحديث فيه أنّ هذه المكانة لا تثبت إلاّ لمن أخرج زكاة علمه وهو التّعليم، أمّا المقتصر على نفسه فلا يصل إلى ذلك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" ولا شكّ أنّ الجامع بين تعلّم القرآن وتعليمه مكمّلٌ لنفسه ولغيره، جامعٌ بين النّفع القاصر والنّفع المتعدّي، ولهذا كان أفضل، وهو من جملة من عنَى سبحانه وتعالى بقوله: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ }.
والدّعاء إلى الله يقع بأمور شتّى، من جملتها تعليم القرآن، وهو أشرف الجميع.
وعكسه الكافر المانع لغيره من الإسلام، كما قال تعالى:{ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْهَا } " انتهى كلامه.
هذا ونسأل الله تعالى التّوفيق إلى الإكثار من تلاوة كلامه خير الكلام، وتدبّر ما حواه من حكم وأحكام، وتعليمه ونشره بين الأنام، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه

0 التعليقات:

إرسال تعليق