علامات الساعة الكبرى (يأجوج ومأجوج)


ملخص الخطبة

1- المنجيات من فتنة المسيح الدجال. 2- ظهور يأجوج ومأجوج. 3- هلاك يأجوج ومأجوج.


الخطبة الأولى

أما بعد: فقد تكلمنا في خطبتين سابقتين عن المسيح الدجال وفتنته الكبرى، وكيف حذر منه كل نبي، حتى خاف منه كل ولي، كما ذكرنا أنه يخرج بعد أن يعز الله المسلمين بالخليفة العادل الذي سمّاه النبي بالمهدي، ومسك الختام هو نزول عيسى عليه السلام، فيقتل الدجال عند باب لدّ بفلسطين.

ألا وإني أريد أن أنبهكم على أمر مهم، وهو أن الله ما ينزل المسيح عيسى عليه السلام روح الله وكلمته ورسولٌ من أولي العزم من الرسل إلا لأن الهول عظيم والخطر جسيم. فما النجاة منه عباد الله؟ ما عسانا أن نفعل إن أدركناه؟ ولعلكم تستبعدون ذلك، وترونه بعيداً فاعلموا أن الله يراه قريباً، وإن الله قدير على أن يغير الكون كله بين عشية وضحاها، وَمَا أَمْرُ ٱلسَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ ٱلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ [النحل:77]، فهل من سبيل إلى النجاة من هذه الفتن؟

اعلموا أن أهم الأسباب المنجية من فتنة المسيح الدجال هو الدعاء، ولطالما بينا فضل الدعاء وأهميته، فهو العبادة والافتقار إلى الله عز وجل والتضرع إليه. ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يستعيذ في صلاته من فتنة المسيح الدجال. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال)).

رسول الله، خاتم الأنبياء والمرسلين وسيد ولد آدم أجمعين يستعيذ بالله رب العالمين من فتنة الدجال اللعين، فكيف بنا نحن؟! ما بالنا إذا سمعنا بداء خطير هرعنا إلى الصيادلة والأطباء فزعين خائفين من ألم الأبدان، ولا نهرع فزعين إلى الأذكار النبوية التي تعصمنا من الفتن التي تهدم الأديان؟!

ومن أسباب النجاة من فتنة الدجال تقوى الله عز وجل والعمل الصالح، الإيمان الصادق والجازم، ففي صحيح البخاري عن أنس مرفوعاً: ((ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة، ليس له من نقابها نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج الله كل كافر ومنافق)).

فتقوى الله عز وجل حرز وأمان من الدجال، لذلك كان رسول الله يحث على العمل الصالح تحسباً للدجال، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً: ((بادروا بالأعمال ستًّا ـ أي: أسرعوا واعملوا صالحاً قبل ست فتن ـ طلوع الشمس من مغربها أو الدجال أو الدابة أو خاصة أحدكم أو أمر العامة)).

وتذكروا جيداً حديث عمران بن حصين عندما قال رسول الله : ((من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه))، فالفتنة عظيمة جداً، حتى قال فيما يرويه مسلم عن أم شريك قال: ((ليفرَّنَّ الناس من الدجال في الجبال)).

فاتقوا الله ما استطعتم، وها هو شهر رمضان شهر التوبة والمغفرة، فرصة لا تعوّض يتدرب الإنسان من خلالها على التقوى لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21].

ومن أسباب النجاة من الدجال حفظ العشر الأول من سورة الكهف، ففي صحيح مسلم عن أبي الدرداء مرفوعاً: ((من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال)).

والسبب في تخصيص العشر الأول منها، أن فيها ذكر قصة أولئك الفتية المؤمنين، وكيف ابتلوا بذلكم الجبار الطاغية، فأنجاهم الله منه، وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ [الكهف:13]، أيدناهم وعصمناهم، فناسب أن من قرأ هذه الآيات وحاله كحالهم أن ينجيه الله كما أنجاهم، فهي آيات العصمة.

إلى هنا نختم الحدث عن الدجال، فتذكروه جيداً، وتذكروا الأسباب المنجية من فتنته. ثم ماذا؟

يبقى أتباعه اليهود، فيقاتلهم المسلمون فلا يبقى منهم أحد، ففي صحيح مسلم أن رسول الله قال: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود)). إلا الغرقد شجر لا يزال اليهود يزرعونه ليقيهم بأس المسلمين، فهم على يقين بأخبار الصادق الأمين، ٱلَّذِينَ آتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146].

وبعد ذلك، يشرع عيسى عليه السلام في مهمة عظمى، ألا وهي إعلاء كلمة الله وتحكيم شريعة الإسلام، فيبقى في الأرض أربعين سنة، حكماً عدلاً مقسطاً، فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويضع الجزية، ويهلك الله في زمانه كل الملل إلا الإسلام، فترفع الشحناء والتباغض وتمتلئ الدنيا سلاماً كما يمتلئ الإناء ماء، وتنزع حمة كل ذات حمة حتى يدخل الوليد يده في الحية فلا تضره، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتكون الكلمة واحدة، فلا يعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها.

وهم على تلكم الحال، إذا هناك في بقعة من البقاع، تحفر الأرض شيئاً فشيئاً، وكأن هناك شيئاً يحاول الخروج، فيوحي الله عز وجل إلى عيسى كما في صحيح مسلم: ((إني قد أخرجت عباداً لي لا يَدان لأحد بقتالهم، فحرّز عبادي إلى الطّور))، فيبعث الله هؤلاء الخلق، إنهم أبشع قوم، وأفظع خلق، إنهم يأجوج ومأجوج.



الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين، وصلى الله وسلم وعلى آله الأطهار الطيبين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: اعلموا عباد الله أن يأجوج ومأجوج أمتان كثيرتا العدد، وهما من ذرية آدم عليه السلام، فقد جاء في الصحيحين ((يقول الله: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك والخير في يديك، قال: يقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعين، فذاك حين يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد))، فاشتد ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله، أينا ذلك الرجل؟ قال: ((أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل))، ثم قال: ((والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة))، قال: فحمدنا الله وكبرنا، ثم قال: ((والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة، إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو الرقمة في ذراع الحمار)). فهذا الحديث يدل علىكثرة عدد هؤلاء القوم يأجوج ومأجوج.

وقد ذكر الله تعالى في سورة الكهف أن ذا القرنين في تطوافه في الأرض بلغ بين السدين، فوجد من دونها قوماً لا يكادون يفقهون قولاً. فاشتكوا له من الضرر الذي يلحقهم من يأجوج ومأجوج، وطلبوا منه أن يقيم بينهم وبينهم سدا يمنع عنهم فسادهم، ففعل. فذلك السد يمنع يأجوج ومأجوج من الخروج، قال تعالى: فَمَا ٱسْطَـٰعُواْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا ٱسْتَطَـٰعُواْ لَهُ نَقْبًا [الكهف:97]، وذلك مستقر إلى آخر الزمان، حين تقرب الساعة، ويأتي وعد الله فيؤذن لهم بالخروج، عندئذ يُدكّ السد، فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبّى جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبّى حَقّاً [الكهف:98]، فيخرجون أفواجاً أفواجاً كموج البحر، وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِى بَعْضٍ [الكهف:99]، وفي آية أخرى قال تعالى: حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مّن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ [الأنبياء:96]، من كل مرتفع في الأرض يخرجون يسرعون في الإفساد في الأرض.

هذا واعلموا أنه قد فتح من ردم يأجوج ومأجوج في عصره فتحة صغيرة، ففي البخاري عن زينب بنت جحش أن رسول الله دخل عليها يوماً فزعاً يقول: ((لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)) وحلق بين أصبعيه الإبهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: ((نعم، إذا كثر الخبث)). وفي سنن الترمذي وابن ماجه واللفظ له عن أبي هريرة مرفوعاً: ((إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فسنحفره غدا. فيعيده الله أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدّتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فسنحفره غدا إن شاء الله، واستثنوا، فيعودون إليه وهو كهيئته يوم تركوه، فيحفرون ويخرجون على الناس)).

هنالك، يوحي الله تعالى إلى عيسى أنهم قد خرجوا فحرّز عبادي إلى الطور، ويحصر نبي الله عيسى مع أصحابه في حصونهم لا يستطيعون الخروج، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم.

فيرغب المسلمون: ألا رجل يشري نفسه فينظر ما فعل هذا العدو؟ قال : ((فيتجرد رجل منهم لذلك محتسبا لنفسه قد أظنها على أنه مقتول، فينزل فيجدهم موتى بعضهم على بعض، فينادي: يا معشر المسلمين، ألا أبشروا فإن الله قد كفاكم عدوكم، فيخرجون من مدائنهم وحصونهم))، ((فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطرا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس)).

ومما يدل على كثرة عدد يأجوج ومأجوج ما رواه ابن ماجه عن النواس بن سمعان مرفوعاً: ((سيوقد المسلمون من قسيّ يأجوج ومأجوج ونشابهم ـ أي: سهامهم ـ وأترسهم سبع سنين)).

ويبقى الحال على ذلك، وينتشر الإسلام فيعمّ المشرق والمغرب، ويموت عيسى عليه السلام والمهدي، وماذا بعد ذلك؟

هذا ما سنراه في الخطبة القادمة إن شاء الله عز وجل

0 التعليقات:

إرسال تعليق