الدّرس 21

الدّرس الحادي والعشرون من شرح " نظم الورقات "

تابع: ( باب الُمُجْمِلِ وَالمُبَيَّنِ، وَالظاَّهِرِ وََالمُؤَّولِ،

وَالنَّصِ ).

- الظّاهر:

1- تعريفه:

لغة: هو من الظّهور، أي: الوضوح، فالظّاهر هو: الواضح البيّن.

اصطلاحا: هو اللّفظ المحتمل لمعنيين في أحدهما أرجح من الآخر.

فبقولنا:" اللّفظ المحتمل لمعنيين " خرج النّص، لأنّه لا يحتمل إلاّ معنى واحدا كما سبق.

وقولنا:" في أحدهما أرجح من الآخر " خرج المجمل، لأنّه بلا ترجيح.

فالظاّهر هو ما يتبادر إلى الذّهن بمجرّد سماعه، وإن كان يحتمل معنى آخر لا يتبادر في أوّل وهلة.

2- حكمه:

يجب العمل بالظّاهر لأنّه يدلّ على المعنى الرّاجح، والعمل بالرّاجح واجب، قال الشّوكاني رحمه الله:" وقد أجمع الصّحابة على العمل بظواهر الألفاظ " [" إرشاد الفحول " (155)]. ولا يجوز تأويله حتى يرد دليل فيصير مؤوّلا.

ومن الأمثلة على الظّاهر:

- في مسائل الاعتقاد يجب حمل النّصوص على الظّاهر منها، ولا يحلّ صرفها عن ظاهرها إلاّ بدليل.

- ومن الأمثلة العمليّة: حمل النصّ على عمومه، مع احتمال التّخصيص، كقوله r: (( أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ )) [رواه مسلم]، فالظّاهر أنّه عامّ في كلّ إهابٍ، ويحتمل أن يخصّص منه إهاب ما لا يؤكل.

- ومثله: حمل النصّ على إطلاقه مع احتمال تقييده، كقوله تعالى:]فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[، فالظّاهر أنّ الأيّام تبقى على إطلاقها ولا تقيّد بالتّتابع، ويحتمل التّتابع، ولمّا انعدم دليل التّقييد فالأصل هو البقاء على العموم.

- حمل النصّ على الحقيقة اللّغويّة مع احتمال المجاز: كقوله r: (( البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ ))، فالظّاهر من لفظ المتبايعين هو البيع المعروف، ويحتمل السّوم مجازا، والأصل البقاء على الحقيقة.

وستأتي أمثلة كثيرة في الحديث عن المؤوّل.

- المؤوّل:

1- تعريفه:

لغة: هو من آل يؤول أَوْلاً، إذا رجع، ومآل الأمر مرجعه.

وقد يستعمل لفظ التّأويل ويراد به معانٍ أخر: كالتّفسير.

اصطلاحا: هو اللّفظ المحتمل لمعنيين هو في أحدهما مرجوح.

فبقولنا:" اللّفظ المحتمل لمعنيين " خرج النّص، وبقي الظّاهر والمجمل.

وبقولنا:" هو مرجوح في أحدهما " خرج الظّاهر لأنّه راجح في أحدهما، والمجمل لأنّه بلا ترجيح.

2- حكمه:

لا يجوز العمل بالمؤوّل حتّى يرد دليل صحيح صالح يصرف اللّفظ عن ظاهره.

أمثلة:

· قال تعالى:]فَقُوليِ إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً[، فإنّ لفظ " الصّوم " يحتمل معنيين أحدهما ( الصّوم الشّرعي )، وهو الظاهر الّذي يتبادر إلى الذهن من أوّل وهلة، والثاني ( الإمساك عن الكلام ) وهو لا يتبادر إلى الذهن فهو مرجوح.

لكنّ لفظ الصّوم هنا يراد به المعنى الثّاني المرجوح لدليل، وهو تمام الآية:]فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إِنْسِياًّ[.

· قوله r: (( الجاَرُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ [1])) [رواه البخاري].

فإنّ لفظ " الجار " معناه المتبادر إلى الذهن هو الجار الملاصق والمقابل، وهو الظّاهر. وله معنى لا يرد على الذّهن وهو: "الشّريك" وهو مرجوح، لا يجوز حمل اللّفظ عليه.

لكنّ الدّليل صحّ للأخذ بالمعنى المرجوح دون الراجح، وهو قوله r بعد ذلك: (( فَإِذاَ ضُرِبَتِ الحُدُودُ، وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَة )) [رواه البخاري].

فبقوله r: (( فَإِذَا ضُرِبَتْ الحُدُودُ )) خرج الجار الملاصق، لأنّه قد ضربت بينه وبين جاره حدود من قبل ذلك.

وبقوله r: (( وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ )) خرج الجار المقابل، لأنّ الطّريق مصروفة من قبل، لذلك حمل العلماء لفظ " الجار " هنا على " الشّريك ".

· وأمثلة تخصيص العامّ وتقييد المطلق كلّها ترد في هذا الباب، لأنّ العامّ هو الظّاهر، والتّخصيص مرجوح إلاّ بدليل، وكذلك أمثلة الحقيقة والمجاز.

فلو لم يكن هناك دليل للتّأويل بقي الظاهر على معناه. ومن الأمثلة على ذلك:

· قوله r: (( تَوَضَّئُوا مِنْ لُحُومِ الإِبِل )) [ابن ماجه عن ابن عمر t، وأحمد عن أسيد بن حضير t، وقد جاء بلفظ آخر عن جابر بن سمرة عند مسلم].

فإنّ الظّاهر من لفظ " الوضوء " هو غسل الأعضاء الأربعة مع النيّة كما هو مشروع. وقد يحتمل اللّفظ معنى آخر، ألا وهو " مطلق التّنظيف "، لكنّه مرجوح لا يعمل به لانعدام الدّليل.

وإلى ذلك كلّه أشار النّاظم رحمه الله تعالى بقوله:

وَالظّاهِرُ الّذيِ يُفِيدُ ماَ سُمِعْ
كَالأَسَدِ اسْمُ واَحِدِ السِّباَعِ
وَالظاّهِرُ المَذْكُورُ حَيْثُ أَشْكَلاَ
وصاَرَ بَعْدَ ذَلِكَ التّأْوِيلِ

مَعْنَى سِوَى المَعْنَى الّذي لَهُ وُضِعْ
وَقَدْ يُرىَ لِلرَّجُلِ الشُّجاَعِ
مَفْهُومُهُ فَبِالدّلِيلِ أُوِّلاَ
مُقَيِّداً فيِ الاسْمِ بِالدَّلِيلِ

فانظر إلى قوله:" والظّاهر المذكور حيث أشكل مفهومه " فهو شرط في جواز تأويل اللّفظ الظّاهر.

لذلك يقسّم العلماء التّأويل قسمين: تأويل صحيح وتأويل فاسد.

1- التّأويل الصّحيح:

وأمثلة ذلك ما ذكرناه من قبل. وشرطا التّأويل الصّحيح هما:

- أن يكون دليل التّأويل صحيحا.

- أن يحتمل اللّفظ المعنى المصروف إليه في اللّغة أو الشّرع، وإلاّ كان التّأويل باطلا، كتأويل المعتزلة والأشاعرة – مثلا – لقوله تعالى:]الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى[ [طـه:5] بالاستيلاء، فإنّ هذا المعنى لا تعرفه العرب، ولا يُقرّه الشّرع.

وإنّ العلماء قد وضعوا هذه الشروط سداّ لذريعة التحريف والتبديل بدعوى التأويل.

2- التّأويل الفاسد:

وهو ما لا يستند إلى دليل، ولكنّه وهم يظنّه المؤوِّل دليلا.

ومن التأويل الفاسد في المسائل الفقهية تأويل المتعصّبة لنصوص كثيرة مراعاة للمنصوص عليه في الأمّهات من الكتب.

قاعدة مهمّة:

من أهمّ القواعد الّتي تنسف التّأويل نسفا ما قول العلماء:

( الأصل في اللّفظ أنّه على:حقيقته، وعمومه، وإطلاقه، وإفراده، واستقلاله، وتأسيسه، وتباينه، وبقائه، لا على مجازه، وتخصيصه، وتقييده، واشتراكه، وإضماره، وتوكيده، وترادفه، ونسخه ) [" مفتاح الوصول "].



[1]/ الصقب بالصاد أو السقب بالسين وهوالقرب والملاصقة والمراد منها هو "الشفعة".

0 التعليقات:

إرسال تعليق