الصلاة منهاة عن السوء (1)

ملخص الخطبة

1- التذكير بأهمية الصلاة في الوقت. 2- لماذا فرض الله علينا الصلاة؟ 3- الصلاة عنوان العبودية. 4- غربة هذا الزمان وشدته. 5- الصلاة نهي عن الفحشاء والمنكر. 6- الصلاة نور. 7- لا صلاح إلا بالصلاة الحقيقية. 8- من أهم شروط الصلاة وواجباتها.


الخطبة الأولى

أما بعد: فلقد تحدثنا في الخطبة الأخيرة عن عظم قدر الصلاة في الإسلام، وذكرنا الأدلة الكثيرة على أن تركها من أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله، وذكرنا لكم معنى ترك الصلاة، وأن معنى تركها هو تأخيرها عن وقتها. فأسأله تعالى أن يكون المستمعون ممن يؤدون الصلاة في وقتها، وإننا لاحظنا بعضهم استجاب لنداء الله لهم في صلاة الفجر، فأرجو أن يكون الغائبون على الأقل ممن يؤدونها قبل خروج وقتها، إذ على قدر أهل العزم تأتي العزائم.

واليوم نود أن نلقي عليكم سؤالاً من العيب أن لا يجد له أحدنا جوابًا ألا وهو: لماذا فرض الله تعالى علينا الصلاة؟ لماذا جعلها عمود الدين؟ لماذا سمى النبي ترك الصلاة كفرًا دون ترك سائر الفرائض؟ لماذا اعتبر النبي الذين يتخلفون عن صلاتي الفجر والعشاء منافقين؟ لماذا كان حدّ تارك الصلاة هو القتل؟

كل هذه الأسئلة مما ينبغي للمؤمن أن يستحضرها ويعي الجواب عنها.

هل الله تبارك وتعالى في حاجة إلى ركوعنا وسجودنا؟! هل الله عز وجل يضره شيء لو ترك من في الأرض جميعًا الصلاة؟! وهل يضرّ الله تأخير المسلم صلاته عن وقتها؟!

الجواب هو قوله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ [فاطر:15].

الجواب هو قوله تعالى: إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِى ٱلأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ [إبراهيم:8].

الجواب هو ما قاله تعالى في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضرّي فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني)).

ألا فاعلموا ـ عباد الله ـ أن الصلاة هي الترجمة الحقيقية والعملية لقوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ [الذاريات:57، 58].

فالمسلم الذي يستجيب لنداء الله تعالى خمس مرات في اليوم والليلة في وقت معين وبأعمال معينة يركع لربه ويسجد لربه ويناجي ربه ويدعو ربه، هذا المسلم حريّ وجدير أن يكون عبدًا لله كما أمر، لذلك كان من أضاع الصلاة فهو لما سواها أضيع.

ولم يُعرَف للصلاة أهمية كأهميتها في هذا الزمان، زمان الغربة الذي اشتدت فيه على المسلمين الكربة، فبإجماع المسلمين اليوم نعيش أزمة روحية يشكو الناس فيها قسوة القلوب وتفاقم الكروب، فاعلموا أن أقرب الطرق إلى الله وأوضح سبيل إليه هو المحافظة على الصلاة في أوقاتها.

كل من يعاني من داء الشهوات والشبهات، ولم يجد منها خلاصًا، فعليه بالصلاة في وقتها، فسيذهب عنه داؤه.

فالصلاة كما لا يخفى عليكم ـ إن شاء الله ـ هي الوقاية المثلى من كل الأمراض القلبية والآفات النفسية، قال تعالى: ٱتْلُ مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]، يبيّن تعالى أن الصلاة الصحيحة لا بد أن تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر وتقوده إلى الخير والمعروف، لذلك ترى أهل المساجد هم أفاضل الناس وأحاسنهم على عُجرهم وبجرهم، وعلى ما كان بهم من عيوب وذنوب، فعند سواهم أضعاف مضاعفة منها.

ولقد روى الإمام أحمد وغيره بسند صحيح أن رجلاً قال للنبي : إن فلانًا يصلي الليل كله، فإذا أصبح سرق! فقال: ((إنه سينهاه ما يقول)).

فالمحافظة على الصلاة هو طريق الالتزام بالدين والفوز برضا رب العالمين، عندما يحافظ المسلم على صلاته في وقتها بأركانها وشروطها، يقذف الله في قلبه حلاوة الطاعة، فلا يرضى بديلاً عن تلكم الحلاوة ولو عرضت عليه الدنيا وما فيها، فيستضيء قلبه بنور الله شيئًا فشيئًا حتى يرى الحق حقّا والباطل باطلاً، لذلك وصف النبي الصلاة بأنها "نور" فقال: ((الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك)) رواه مسلم.

الصلاة نور، لذلك تعلمون السرّ الذي جعل رسول الله يعلمنا أن نقول إذا ذهبنا إلى المسجد للصلاة: ((اللهم اجعل في قلبي نورا، وفي لساني نورا، واجعل في سمعي نورا، واجعل في بصري نورا، واجعل من خلفي نورا، ومن أمامي نورا، واجعل من فوقي نورا، ومن تحتي نورا، اللهم أعطني نورا)) لأن المصلي وكأن أكبر فوزه بصلاته هو نور الله عز وجل الذي قال: ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَـٰرَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ يَهْدِى ٱللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأمْثَالَ لِلنَّاسِ وَٱللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلَيِمٌ [النور:35].

ماذا بعد هذه الآية مباشرة؟ يقول تعالى: فِى بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوّ وَٱلآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـٰرَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَإِقَامِ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَاء ٱلزَّكَـوٰةِ يَخَـٰفُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ ٱلْقُلُوبُ وَٱلأبْصَـٰرُ [النور:36، 37].

فتأملوا هذا الرّبط العجيب بين الصلاة وبين النور نور الله الواحد الأحد، وكأن الذي لا يحافظ على صلاته يعيش في ظلمات المعاصي والشهوات والشبهات فلا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، لذلك تجد الآية بعدما تلوناها عليكم تقول: أَوْ كَظُلُمَـٰتٍ فِى بَحْرٍ لُّجّىّ يَغْشَـٰهُ مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَـٰتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ [النور:40].

فاستيقظ ـ يا عبد الله ـ من غفلاتك، واعرف القدر العظيم لصلواتك، فإنها شيئًا فشيئًا تنقلك لا محالة من الفجور إلى البرّ، من الضلال إلى الهدى، من الزيغ إلى الرشاد، والله الموفق للهدى والسداد.



الخطبة الثانية

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد: فإنّ نور الصلاة الذي يضيء قلب المسلم فيصلحه ويغسله من جميع الأدران والأوساخ، نعلم ذلك من حديث رسول الله القائل: ((أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإذا صلحت صلح سائر عمله، وإذا فسدت فسد سائر عمله))، وكأن الصلاة هي القلب الذي ذكره النبي قائلاً: ((ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)). وقد بينا أن الصلاة هي التي تصلح القلب، فإذا صلحت الصلاة صلح القلب فتصلح الأعمال معها، تصلح اليد فلا تسرق ولا تبطش، ولا تزني باللمس، وصلحت الرجل فلا تمشي إلى محرّم، واستقامت الأذن فلا تسمع ما حرم الله من المعازف أو الغيبة أو النميمة، واستقام اللسان فلا ينطق إلا خيرا.

ولا يزال العبد يرتقي ويرتقي في درجات العبودية بصلاته مستمتعًا بطاعته، حتى يشرع في التقرب إلى الله بالنوافل وعلى رأسها قيام الليل الذي قال عنه : ((عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم)) رواه أحمد والترمذي.

وكما قال تعالى في الحديث القدسي: ((ما تقرب إلىّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأعيذنه)).

إذن فهو على نور من الله في جميع أفعاله وأقواله، فمحال أن لا يستقيم.

فما بال بعضكم يتساءل الآن ويقول: كلامك في واد وحالي في واد آخر، إني لا أشعر بهذا النور الذي تتحدث عنه، وصلاتي لا تنهاني عن السوء الذي ترهب منه؟! فنقول له: ألم تسمع رسول الله يقول لأحد المصلين: ((ارجع فصلّ فإنك لم تصل))؟!

إن هناك فرقًا بين الصلاة التي شرعها الله تعالى وبين الصلاة التي يصليها بعض الناس اليوم، والله لو أتقن الناس صلاتهم وأدوها على وجهها وفي وقتها لشعروا بحلاوة الإيمان والقرب من الله الواحد الديان.

كيف يستمتع بصلاته من يصليها خارج وقتها بلا اطمئنان ولا خشوع؟! شك أن مثل هذا ما صلى، فكيف ينتظر من شيء معدوم أن ينهاه عن الفحشاء والمنكر؟!

فاعلم أن للصلاة شروطًا وواجبات ومستحبات ينبغي للمسلم الحفاظ عليها، من أهم تلك الواجبات:

1- الصلاة لوقتها: فقد سئل النبي عن أحب الأعمال إلى الله تعالى فقال: ((الصلاة على وقتها)). وإذا كان الله أوجب الصلاة في وقتها على المسافر والمريض والعاجز والمجاهد في سبيل الله، فلا عذر لأحد بعد هؤلاء. في أصعب الأوقات وأعسرها، في وقت القتال والجهاد أمر الله عباده بإقام الصلاة فقال تعالى: حَـٰفِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوٰتِ وٱلصَّلَوٰةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ لِلَّهِ قَـٰنِتِينَ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:238، 239]، أي: إن ابتدأكم الكفار بالقتال وكان لا بد من مقاومتهم فصلوا وأنتم تمشون أو راكبون لغير القبلة، المهم هو الصلاة لوقتها، فيكتفون بالإيماء والإشارة، وقد روى الإمام أحمد بسند جيد أن النبي بعث عبد الله بن أنيس الجهني إلى خالد بن سفيان ليقتله وحانت صلاة العصر فخشي أن تفوته، فجعل يصلي وهو يومئ إيماء. وهذه هي صلاة الخوف التي تشرع للمسلم إذا خشي خروج الوقت.

فما قولك أيها الجالس على مكتبه ويقول: الله غالب، العمل؟!

وما قولك أيها التاجر في محله ويقول: الله غالب، إنها الخبزة؟!

وما قولك أيتها المرأة في بيتك وتقولين: الله غالب، إنها شؤون البيت؟!

ما بقي لأحد عذر بعد الذي سمعتموه.

أسأله تعالى أن يرزقنا حلاوة الطاعة والاستمتاع بالصلاة. وبقية شروط وواجبات الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر نراها في خطب لاحقة، والحمد لله رب العالمين

0 التعليقات:

إرسال تعليق