الدّرس الثّاني والعشرون من شرح " نظم الورقات "

الدّرس الثّاني والعشرون من شرح " نظم الورقات "

تابع: بَابُ الأَفْعَال

السنّة التقريرية:

قال النّاظم رحمه الله تعالى:

وَإِنْ أَقَرَّ قَوْلَ غَيْرِه ِجُعِلْ
وَماَ جَرَى فيِ عَصْرِهِ ثُمَّ اطَّلَعْ


كَقَوْلِهِ كَذَاكَ فِعْلٌ قَدْ فُعِلْ
عَلَيْهِ إِنْ أَقَرَّهُ فَلْيُتَّبَعْ

" اعلم أنّ النّبيّ r لا يُقِرُّ على الخطأ ولا على معصية، لأنّ التّقرير على الفعل معصية، فالعاصم له من فعل المعصية عاصم له من التّقرير عليها " [" مفتاح الوصول " (150)].

وقول وفعل غيره r إمّا أن يكون واقعا بين يديه، وإمّا أن يكون واقعا في زمانه r:

· أمّا عن الأوّل [وهو ما كان واقعا بين يديه]:

فلو سكت عن قول أو فعل بين يديه كان تقريره حجّة، وكأنّه هو الّذي قاله أو فعله، لذلك قال النّاظم:

( ........................ جُعِلْ كَقَوْلِهِ، كَذاَكَ فَعْلٌ قَدْ فُعِلْ )

ومن الأمثلة على ذلك:

- استدلال الجمهور على أنّ قضاء فوائت النّوافل في الأوقات المكروهة والمحرّمة مشروع، بما ثبت عَنْ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو t قَالَ:" رَأَى رَسُولُ اللَّهِ r رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( صَلَاةُ الصُّبْحِ رَكْعَتَانِ )). فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، فَصَلَّيْتُهُمَا، الْآنَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ r.[ أخرجه أبو داود والتّرمذي وابن ماجه.]

- بعد ما قال رسول الله r: (( مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ، كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ ))، قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ. قَالَ: (( لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ )).[رواه الشيخان عن أنس عن عبادة بن الصّامت t].

· وأمّا عن الثّاني: فلو سكت عن قول أو فعل وقع في زمانه، فاختلف العلماء على أقوال أربعة:

- الأوّل: لا يعتبر تقريرا مطلقا.

- الثّاني: يعتبر تقريرا إذا اطّلع عليه، وهو ما أشار إليه النّاظم.

- الثّالث: يعتبر تقريرا إذا اشتهر، وإلاّ فلا.

- الرّابع: يعتبر تقريرا مطلقا، وهو الحق، لأنّه r إن لم يطّلع عليه فربّه قد اطّلع.

وممّا يدلّ على أنّ الفعل الواقع في زمانه r - وإن لم يشتهر ويطّلع عليه - فهو تقرير، ما رواه البخاري وأحمد -واللّفظ له- عن عبد الله بن عمر t قال:" كُنَّا نَتَّقِي كَثِيراً مِنَ الكَلاَمِ وَالاِنْبِسَاطِ إِلَى نِسَائِنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ r مَخَافَةَ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا القُرْآنُ، فَلَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللهِ r تَكَلَّمْنَا ".

ولا يزال العلماء يستدلّون بوقائع حدثت في عصره مع أنّه لم ينقل أنّه r اطّلع عليها.

ومن الأمثلة على ذلك:

- قول جابر t:" كناّ نعزل والقرآن ينزل " [أخرجه البخاري ومسلم]. وهذا حجة للأقوال الثلاثة الأخيرة لأنّه r اطّلع عليه، وعلى القول الثّالث فإنّه قد اشتهر.

- العورة المخفّفة والعورة المغلّظة:

كثير من العلماء يحرّم كشف العورة – وهي عند الرّجل من السرّة إلى الرّكبة –، لكنّه لا يقول ببطلان الصّلاة إلاّ إذا انكشفت العورة المغلّظة، وهي الدّبر والقبل، محتجّين بقصّة عمرو بن سلِمة حين صلّى بالنّاس، وكان صغيرا، فقالت امرأة من الحيّ: ألا تغطّوا عناّ اسْت قارئكم." [أحرجه البخاري وأبو داود والنسائي وأحمد]، كما نجدهم يستدلّون بهذا الحديث على جواز إمامة الصّبي.

ووجه الدلالة أنّ هذه الحادثة لا نعلم إذا اطّلع عليها النّبي أو لم يطّلع، ومع ذلك فإنّه يحتجّ بعدم إنكاره لذلك.

0 التعليقات:

إرسال تعليق