هل التزكية شرط في عدالة الداعية



الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:فاعلم أخي الكريم أنّ السّؤال عن الدّعاة وترجمتهم ونشأتهم في طلب العلم شيء لا بأس به، ولكن أن يُجعل هذا الأمر هو المؤشِّر لسماع دروسهم والاستفادة من علمهم فهو خلاف الصّواب، بل هو من بدع العصر. وليس هذا موضع بسط هذه المسألة الّتي صارت سلاحا يُضرب به الدّعاة إلى الله تعالى، فلا ينطق الواحد منهم إلاّ قيل عنه: من زكّاه ؟ وذلك لما يلي:1- الأصل أنّ الإنسان يزكّيه عمله وعلمه، فكم من إنسان زكّاه العلماء لما يعرفون عنه من ظاهر الحال، ولكنّك تراه لا يقدّم علما ينفع به الأمّة، بل وربّما جرّ عليها همّا وغُمّة .. أفترى تزكية العلماء له تنفعه ؟!2- إنّ تزكية العلماء هي إحدى وسائل التعديل، وليست هي الوسيلة الوحيدة للتّعديل، فعندما قال محمّد بن سيرين وغيره رحمهم الله: ( إنّ هذا العلم دين، فانظروا عمّن تأخذون دينكم )، لم يقصِد بالنّظر هو طلب من زكّاه، فإن كانوا حقّا يطبّقون قواعد الجرح والتّعديل على الدّعاة –والأمر ليس كذلك ونسلّم لهم بذلك-فليعلموا أنّ الثّقة يعرف بأمور:أ) بالشّهرة والاستفاضة: فلا يُسأل عن حالهم، كمن برزوا في العلم وصاروا من أعلام أهل السنّة، كالإمام مالك والشّافعي وأحمد وأبي حنيفة واللّيث والأوزاعيّ وغيرهم، كذلك علماء عصرنا ممّن شهد لهم القاصي والدّاني بالعلم والتبحّر في السنّة، أمثال الشّيخ المعلّمي وأحمد شاكر وعبد الرّزّاق عفيفي، والشّيخ ابن باز، وابن باديس، والعقبي، والإبراهيمي، والميلي، والتبسّي، والعثيمين، والألباني، والفوزان، وغيرهم, فلا يحسن أن يقال: من وثّق هؤلاء، فهم ثقات بالاستفاضة.ب) بشهادة العلماء:وهم المعروفون بالعلم والورع:العلم الّذي يعصم الإنسان من ( الجهل ) ومن إصدار الأحكام الخاطئة، فلا بدّ أن يعرف ما الّذي يُجرّح به المرء وما لا يجرّح به، فيميّز المسائل الاجتهادية من غيرها، والمسائل الّتي لا تُخرج المخالف فيها عن دائرة أهل السنّة.والورع الّذي يعصم المرء من ( الظّلم ) التعدّي والبغي، فيتكلّم في المخالف بقدر مخالفته للحقّ، ولا يجد في ذلك لذّة ولا تشهّيا، بل يتمنّى لو كفاه غيره من أهل العلم بيان الخطأ. فإذا تحلّى المرء بهذين الأمرين كان عادلا عالما، لا ظلوما جهولا. ج)- بتتبّع مرويّاته:فمن أكثر من موافقة الثّقات قيل عنه: ثقة، ومن أكثر من مخالفتهم قيل عنه: ضعيف، ومن قارب أحد هذين الصّنفين وصف بما اقترب منه، فيقال في شخص: صدوق، صدوق يخطئ، ثقة ربّما أخطأ ..الخ.فمن عُدِم الأمران الأوّلان ( الشّهرة والتّزكية )، فلا يقال عنه: مجهول لا يؤخذ منه شيء !! بل يمكن تتبّع مقالاته وعلمه، فمن وافق الحقّ في معظم أحيانه فهو ثقة يؤخذ عنه العلم، ومن عُلِم منه أنّه فاحش الغلط، واقعا في البدع، ونحو ذلك، فهذا لا يُزكّى ولا كرامة.وأدعو إخواني الكرام إلى أن ينظروا في علم دعاة بلدهم، أو تعرَضُ أقوالُهم وعلمُهم على من يثقون في حكمه، لينظر أين الغلط ؟ أين البدع العمليّة ؟ أين الانحراف العقديّ ؟ أين الأحاديث الضّعيفة ؟ أين خرافات الصّوفيّة ؟ أين أقوال الشّيعة ؟ أين أقوال جماعة التّكفير ؟ أين وأين وأين ؟فإذا لم تستطع أن تضع داعية معيّنا ضمن طائفة من الطّوائف البدعيّة فاعلم أنّه صاحب سنّة، وأخطاءه-الّتي لا بدّ أن تكون بحكم البشريّة- لا تُخرجه عن دائرة أهل السنّة.وأشرطتهم ولله الحمد متوفّرة، ولقد بلغت دروس بعضهم المسجّلة ما يفوق ألفا ومائتي درس !! أفلا يمكن أن يُوزن الشّخص بها ؟!3- ثمّ أليس لو جعلنا هذا أصلا لكُنّا نعطّل الجُمَعَ والدّروس في سائر البلد بحجّة أنّه لا بدّ من تزكية هؤلاء ؟وهذا لا يقول به عاقل. فلا بدّ على حدّ قولهم: أن نمنع الدّروس والخطب في القطر كلّه بل في العالم كلّه حتّى في إندونيسيا وماليزيا وغيرها، حتّى تظهر تزكيتهم ؟!!!!وتذكّر ما قلته في بداية كلمتي هذه أنّ طلب التّزكية دون النّظر إلى علم الشّخص وعمله من البدع.والله أعلم وأعزّ وأكرم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق