الشّمائل الخِلْقِيَّة 2

الشّمائل الخِلْقِيَّة
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد:
فإنّ الأديب الأريب لا يعترف أبدا بالعجز عن الكلام في وصف أيّ شيء، إلاّ أمام أمرين اثنين:
أمام صفات الله عزّ وجلّ، صفاته الدّالّة على الكمال، ونعوته الدّالّة على الجلال .. فلا أحد يثني على الله كما أثنى هو على نفسه ..
وأمام شمائل النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم لا أحد يمكنه أن يصفه على الوجه الأمثل، والنّعت الأكمل كربّه ومربّيه سبحانه وتعالى، الّذي أثنى عليه فقال تعالى فيه:{وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}..
ولو تأمّلت البحر في سعته، والبدر في إضاءته، ونور الشّمس في إشراقته، وأطيب الثّمر في طلاوته، وخالص العسل في حلاوته، ثمّ نظرت إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لجزمت قائلا: ما رأيت أوسع صدرا ولا أكثر للسّبيل إضاءة، ولا أشرق وجها، ولا أطيب قولا، ولا أحلى كلاما من النبيّ صلّى الله عليه وسلّم..
وها هو أديب الأدباء وأمير الخطباء عليّ رضيَ اللهُ عنه يريد أن يصف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيقف قائلا: " لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ صلّى الله عليه وسلّم".
فأوّل ما يطلبه النّاظر ويسأل عنه الغائب هو:
- وجهه صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ:
فإنّك إن ألقيت نظرة وتأمّلت وجهه التبس عليك الأمر .. أتنظر إلى وجه بشر أم أنّه القمر في ليلة البدر ؟!..
روى التّرمذي بسند صحيح عَنْ جَابرِ بْنِ سَمُرَةَ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانَ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم وَإِلَى القَمَرِ، فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ القَمَرِ ".
وروى التّرمذي أيضا بسند صحيح أنَّ رَجُلاً سَأَلَ البَرَاءَ رَضِي اللهُ عنه : أَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم مِثْلَ السَّيْفِ ؟ قَالَ: لاَ، مِثْلَ القَمَرِ ".
يسألون عن وجهه أكان مثل السّيف أي: في التّلألؤ والإشراق، كما يعبّرون عن ذلك بالفضّة أيضا، فقد روى التّرمذي في " الشّمائل " عن أبِي هُرَيْرَةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم أَبْيَضَ كَأَنَّمَا سِيغَ مِنْ فِضَّةٍ ".
وروى الدّارمي أنّ الرّبيع بنتَ معوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها سئِلَتْ: صِفِي لَنَا رَسُولَ اللهِ ؟ فَقَالَتْ:( يَا بُنَيَّ، لَوْ رَأَيْتَهُ رَأَيْتَ الشَّمْسَ طَالِعَةً).
ويروى أنّ عمر بن الخطّاب رضيَ اللهُ عنه كان يُنشِد قول زهير في هرم بن سِنان:
( لو كنت من شيء سوى البشر كنت المضـيءَ ليلـة البـدر )
ثمّ يقول: كذلك كان رسول الله صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ.[1]
- هذا من حيث الإشراق، وهو مثل الشّمس والقمر في الشّكل أيضا، فقد كان وجهه صلّى الله عليه وسلّم مستديرا، روى مسلم عَنْ جَابرِ بْنِ سَمُرَةَ رضيَ اللهُ عنه قَالَ حينما سأله رجلٌ عن وجهِ رسُول اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ: وَجْهُهُ مِثْلُ السَّيْفِ ؟ قَالَ: لاَ، بَلْ كَانَ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ مُسْتَدِيراً ".
- وكان رأسه صلّى الله عليه وسلّم ضخما، روى التّرمذي عَنْ عَلِيٍّ رضيَ اللهُ عنه أنّه قَالَ في وصف النبيّ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ: " ضَخْمَ الرَّأْسِ "، بمعنى أنّه لم يكن بصغير الرّأس، بدليل ما رواه مسلم عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم، كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا " والمقصّد هو الوسط في كلّ شيء.
- وإذا تأمّلت وجهه، ونظرت إلى فمه وجدته كبيرا وسطا، وعيناه كبيرتان سوداوان قد طال شقّ كليهما، أشفاره هَدْبى..
روى مسلم عن جابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم ضَلِيعَ الفَمِ، أَشْكَلَ العَيْنِ، مَنْهُوسَ العَقِبِ "، قال شعبة: ما ( ضليع الفم ؟) قال: عظيم الفم، قلت: ما ( أشكل العين ؟) قال: طويل شقّ العين، قلت: ما ( منهوس العقب؟) قال: قليل لحم العقِب.
وروى أبو نعيم في "الدّلائل" (1/337)، والحاكم، والطّبراني وغيرهم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا خرج مهاجرا هو وأبو بكر رضيَ اللهُ عنه ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة، ودليلهم اللّيثي عبد الله بن الأريقط، مرّوا على خيمتَي أمّ معبد الخزاعيّة، وكانت برزة [المرأة الّتي لا تحتجب مع عفافها] جلدة [قويّة]، تحتبي بفناء الخيمة، ثمّ تسقي وتطعم، فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى شاة في تلك الخيمة فقال: (( مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ ؟ )) قالت: شاةٌ خلّفها الجهد عن الغنم. قال: (( هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ )) ؟ قالت: هي أجهد من ذلك. قال: (( أَتَأْذَنِينَ أَنْ أَحْلِبَهَا ؟)) قالت: نعم بأبي أنت وأمّي إن رأيت بها حلبا.
فدعا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمسح بيده ضرعها، وسمّى الله عزّ وجلّ، ودعا لها في شاتها، فتفاجت عليه [فرجت رجليها للحلب] ودرّت، فدعا بإناء يريض الرّهط [أي: يروي الجماعة]، فحلب فيها ثجّا [لبنا سائلا كثيرا]، حتّى علاه البهاء [وهو بريق رغوة الحليب]، ثمّ سقاها حتّى رويت، وسقى أصحابه حتّى ارتووا، ثمّ شرب آخرَهم، ثمّ أراضوا [أعادوا]، ثمّ حلب ثانيا بعد بدء حتّى ملأ الإناء، ثمّ ارتحلوا عنها.
فما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد يسوق غنما أعجافا، فعجب، وقال: من أين هذا والشّاة عازب حائل [لم تحمل]، ولا حلوبة في البيت ؟ قالت: لا والله إلاّ أنّه مرّ بنا رجل مبارك. فقال: صفيه لي يا أمّ معبد ! قالت:
رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، أبلج [مشرق الوجه]، حسن الخَلْق، لم تُعِبْهُ ثُجْلة [أي بدانة]، ولم تُزْرِ به صعلة [نحافة]، وسيم قسيم [أي: حسن جميل]، في عينيه دعج [شدّة السّواد]، وفي أشفاره وطف [أي: طول]، وفي صوته صحل [ليس برقيق ولا بشديد]، وفي عنقه سطع [أي: طول]، أحور أزجّ [أي: حاجباه طويلان وسطان]، ربْعَةٌ [لا طويل ولا قصير]، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلّم علاه البهاء، أجمل النّاس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم من قريب، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود [يخدمه أصحابه]، محشود [يجتمع النّاس إليه] لا عابس ولا مفنِّد [أي: لا يحكم على رأي غيره بالفند بل يقبه إن صحّ ويُحسِن ردّه إن أخطأ].
أمّا:
- شعره صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ:
فقد كان صلّى الله عليه وسلّم غزير الشّعر، تراه من الأمام يصل إلى أنصاف أذنيه، ومن الخلف فيصل إلى منكبيه فقد كان صلّى الله عليه وسلّم ذا جُمّةٍ، ولم يكن في شعره شِيبٌ إلاّ شعيرات معدودات، روى البخاري ومسلم عَنْ أنسٍ رضيَ اللهُ عنه قَالَ:
" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم لَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ، فَتَوَفَّاهُ اللهُ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ ". [الجعد القطَط: هو الشّعر الّذي فيه التواء وانقباض، والسّبِط: الشّعر المسترسل].
وفي الصّحيحين أيضا عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: " كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ ".
وروى أبو داود بسند صحيح عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: " كَانَ شَعْر رَسُول اللهِ صلّى الله عليه وسلّم فَوْق الْوَفْرَةِ وَدُونَ الْجُمَّةِ ". فالجمّة هي الشّعر النّازل إلى المنكبين، والوفرة هو ما بلغ شحمة الأذن.
أمّا أثر الشِّيب فكما جاء في قول أنسٍ رَضِي اللهُ عنه: " تَوَفَّاهُ اللهُ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ ". وفي رواية ابن ماجه عن ابن عمر رضيَ اللهُ عنه قَالَ: " كَانَ شَيْبُ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم نَحْوَ عِشْرِينَ شَعَرَةً ".
ولقلّته كان لا يُرى إلاّ إذا لم يدهن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم رأسه، روى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضيَ اللهُ عنه سُئِلَ عَنْ شَيْبِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: كَانَ إِذَا دَهَنَ رَأْسَهُ لَمْ يُرَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِذَا لَمْ يَدْهُنْ رُئِيَ مِنْهُ.
وأين كان هذا الشّيب بالتّحديد ؟
كان في صُدْغَيه- الصُّدغ: هو ما بين العين والأذن، ويُسمّى الشّعر النّابت على الصُّدغ صُدغا، وهو المراد هنا، وهو ممّا يزيد المرء مهابة وجمالا-، وفي مفرِق رأسه، وفي عنفته، بل أكثره فيها.
أمّا الدّليل على الأوّل: فما رواه البخاري ومسلم عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا رَضِي اللهُ عنه: هَلْ خَضَبَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قَالَ: لَا، إِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ فِي صُدْغَيْهِ ".
وأمّا الدّليل على الثّاني: فهو ما رواه أحمد عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: " مَا كَانَ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم مِنْ الشَّيْبِ إِلَّا شَعَرَاتٌ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، إِذَا ادَّهَنَ وَارَاهُنَّ الدُّهْنُ ".
وأمّا الدّليل على الموضع الثّالث: ما رواه البخاري عَنْ وَهْبٍ أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وَرَأَيْتُ بَيَاضًا مِنْ تَحْتِ شَفَتِهِ السُّفْلَى الْعَنْفَقَةَ ".
وفي صحيح البخاري أيضا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: " كانَ صلّى الله عليه وسلّم فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ".
أمّا تسريحه لشعره صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ:
فقد كان صلّى الله عليه وسلّم في أوّل أمره يحبّ موافقة أهل الكتاب ومخالفة المشركين، فكان يسدل شعره، ثمّ لمّا بدأ النّاس يدخلون في دين الله أفواجا من وتبيّن له عداء أهل الكتاب من جهة أخرى عاد إلى عادة العرب، وهي فرق الشّعر، روى البخاري ومسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ، فَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم رَأْسَهُ ".
وإلى أيّ جهة كان يرسل شعره ؟
روى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَة قَالَتْ: " إِنْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم لَيُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ فِي طَهُورِهِ إِذَا تَطَهَّرَ، وفِي تَرَجُّلِهِ إِذَا تَرَجَّلَ، وَفِ انْتِعَالِهِ إِذَا انْتَعَلَ ".
وكان يعقِصُ شعره أحيانا ويضفِره-وتلك عادة العرب أيّامئذ- فقد روى أبو داود وغيره عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ: قَدِمَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِلَى مَكَّةَ وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ تَعْنِي عَقَائِصَ.
ونعود إلى نفْيِ أنسٍ رضيَ اللهُ عنه لخضاب النبيّ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ، لنقول إنّه إمّا محمول على أنّه نفاه لقّلة الشّيب، أو أنّه ما اعتبره خضابا.
فقد روى التّرمذي بسند حسن وأحمد عن أبي رمثة التّيميّ قال: أتيت النّبي صلّى الله عليه وسلّم ومعي ابن لي، فأُرِيتُه، فقلت لمّا رأيته: هذا نبيّ الله –وعليه بُردان أخضران قد علاه الشّيب، وشيبه أحمر ".
وروى أبو داود عن عُثمان بن موهِب قال: سُئل أبو هريرة رَضِي اللهُ عنه: هل خضب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: نعم.
وروى التّرمذي عن أنسٍ رضيَ اللهُ عنه نفسِه قال: " رأيت شعر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مخضوبا ".
فيمكن أن نحمل نفيه السّابق على قلّته، أو أنّه يقصد أنّه خُضِب بعد وفاته صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ، فقد مرّ معنا أنّ بيت أنس رضيَ اللهُ عنه كان أحظى النّاس بشعر رسول الله صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ.
ومع ذلك فإنّ العلماء كالإمام أحمد وغيره من أهل الحديث يرجّحون أنّه صلّى الله عليه وسلّم قد خضب أحيانا لبيان الاستحباب.
- أمّا لحيته صلّى الله عليه وسلّم فقد كانت تامّة كثّة، روى النّسائيّ عَنْ الْبَرَاءِ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم رَجِلًا، ..،كَثَّ اللِّحْيَةِ،.. جُمَّتُهُ إِلَى شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهُ ".
- وكان صلّى الله عليه وسلّم يكثر من من دَهْنِ رأسه وتسريح لحيته، ويقول: (( مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ )).
وعند البيهقي أنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ: (( إِنِ اتَّخَذْتَ شَعْراً فَأَكْرِمْهُ )) [" السّلسلة الصّحيحة " (1/500)] وذلك لئلاّ يصاب الرّأس بالهوامّ والأدران، فهو صلّى الله عليه وسلّم مثال الطّهارة:
- حتّى عرقه صلّى الله عليه وسلّم كان أطيب من الطّيب
، روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسٍ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: " مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا، وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ".
وروى البخاري عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ كَانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا، وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنْ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنْ الْمِسْكِ.
وروى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ.. ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي، قَالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أَوْ رِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ.[وجؤنة العطّار: هي ما يعُدّ العطّار فيها الطّيب].
وروى مسلم عَنْ أَنَسٍ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أَزْهَرَ اللَّوْنِ كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ .. وَلَا شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلَا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ".
بل يُعرف مجيئه صلّى الله عليه وسلّم بطييه الّذي يُشمّ من بعيد، روى الدّارمي عن جابر بن عبد الله رضيَ اللهُ عنه أنّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لَمْ يَسْلُكْ طَرِيقاً فَيَتْبَعُهُ أَحُدٌ إِلاَّ عَرَفَ أَنَّهُ قَدْ سَلَكَهُ مِنْ طِيبِ عَرَقِهِ- أو قال-: مِنْ رِيحِ عَرَقِهِ.
بل صار النّاس يصنعون من عرقه طيبا، فقد روى مسلم أيضا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: " دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ عِنْدَنَا، فَعَرِقَ، وَجَاءَتْ أُمِّي بِقَارُورَةٍ فَجَعَلَتْ تَسْلِتُ الْعَرَقَ فِيهَا، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: (( يَا أُمَّ سُلَيْمٍ ! مَا هَذَا الَّذِي تَصْنَعِينَ ؟ )) قَالَتْ: هَذَا عَرَقُكَ نَجْعَلُهُ فِي طِيبِنَا، وَهُوَ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ.
أمّا إن تأمّلت:
- جسمه صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ:
فالكلمة الجامعة في وصفه قول أنس بن مالك في الصّحيحين: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ.. حَسَنَ الجِسْمِ ". ويقول البراءُ بنُ عازِبٍ رَضِي اللهُ عنه-كما في الصّحيحين أيضا-: " مَا رَأَيْتُ شَيْئًا قَطْ أَحْسَنَ مِنْهُ " أي: ولا الشّمس والقمر. وقول أبي الطّفيل رَضِي اللهُ عنه-كما في مسلم-: " كَانَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا ".
وكان على صدره شعر دقيق فقد روى التّرمذي في " الشّمائل " بسند صحيح عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: " لم يكن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالطّويل ولا بالقصير، شثن الكفّين والقدمين [أي: غليظ الأصابع والرّاحة]، ضخم الرّأس، ضخم الكراديس [هي رؤوس العظام]، طويل المسربة [الشّعر الدّقيق الّذي يبدأ من الصّدر وينتهي بالسرّة]، إذا مشى تكفّأ تكفّؤا كأنّما ينحطّ من صبب، لم أر قبله ولا بعده مثْلَهُ صلّى الله عليه وسلّم".
أمّا:
- لون بشرته صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ:
كان صلّى الله عليه وسلّم أبيض مشربا بحمرة ذاهبا إلى السُّمرة، روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم لَيْسَ بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ وَلَيْسَ بِالْآدَمِ "، وفي رواية لهما قال رَضِي اللهُ عنه: " كَانَ صلّى الله عليه وسلّم أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلَا آدَمَ ".
والأزهر: هو الأَبْيَض المُشَرَّب بِحُمْرَةِ، فعِنْد مُسْلِم عَنْ عَلِيّ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: " كَانَ النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم أَبْيَض مُشَرَّبًا بَيَاضه بِحُمْرَةٍ".
قَوْله: ( لَيْسَ بِأَبْيَض أَمْهَق ولا آدمَ ) والعرب قد تطلق على من كان كذلك أسمر، ولهذا جاء في حديث أنس رضيَ اللهُ عنه عند أحمد والبزّار بإسناد صحيح: " أنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ أَسْمَرَ ".
وفي رواية ابن عبّاس رَضِي اللهُ عنه: " أَسْمَرَ إِلَى البَيَاضِ " أخرجه أحمد وسنده حسن.
فلمّا لم يكن صلّى الله عليه وسلّم واضح السُّمرة قد يوصف بالبياض، ولمّا لم يكن واضح البياض يوصف بالسُمرة.
- خاتَمُ النُّبُوّة:
وعلى جسده الشّريف خاتَم النّبوّة، أي: علامة من علامات نبوّته صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ، تلكم العلامة الّتي ذكرها آخر راهب عاش معه سلمان الفارسيّ رَضِي اللهُ عنه، حين قال له: وَمَا تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ: ( أَيْ بُنَيَّ ! ..قَدْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ هُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضٍ بَيْنَ حَرَّتَيْنِ، بَيْنَهُمَا نَخْلٌ بِهِ عَلَامَاتٌ لَا تَخْفَى: يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِتِلْكَ الْبِلَادِ فَافْعَلْ ).
تلك العلامة الّتي عرفه بها بُحِّيرا الرّاهب، فجهر وسط الصّحراء لسادات قريش: هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ ! هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ! يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ! فَقَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ: مَا عِلْمُكَ ؟ فَقَالَ:
إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنْ الْعَقَبَةِ، لَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا، وَلَا يَسْجُدَانِ إِلَّا لِنَبِيٍّ، وَإِنِّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَسْفَلَ مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ مِثْلَ التُّفَّاحَةِ.
- كان بين كتفيه، فقد روى البخاري ومسلم عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: ( ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ ! إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَجِعٌ ؟ فَمَسَحَ صلّى الله عليه وسلّم رَأْسِي، وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، وَتَوَضَّأَ، فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، وَقُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ، فَنَظَرْتُ إِلَى الخاتَمِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، فَإِذَا هُوَ مِثْلُ زِرِّ الحَجَلَةِ ) أي: بيضها.
قال النّوويّ في " شرح صحيح مسلم ": " أمّا زِرُّ الحجلة فبزاي ثمّ راء، و( الحَجَلة ) بفتح الحاء والجيم هذا هو الصّحيح المشهور، والمراد بالحجلة واحدة الحجال، وهي بيت كالقبّة لها أزرار كبار وعُرَى، هذا هو الصّواب المشهور الّذي قاله الجمهور. وقال بعضهم: المراد بالحجلة الطّائر المعروف، وزِرُّها بيضتها، وأشار إليه الترمذي، وأنكره عليه العلماء " اهـ.
وروى التّرمذي في " الشّمائل " عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: ( رَأَيْتُ الخَاتَمَ بَيْنَ كَتِفَيْ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم غُدَّةً حَمْرَاءَ مِثْلَ بَيْضَةِ الحَمَامَةِ ). والغدّة: قطعة اللّحمة.
وروى أيضا بسند حسن عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضيَ اللهُ عنه عَنْ خَاتَمِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم؟-يَعْنِي خَاتَمَ النُّبُوَّةِ- فَقَالَ: " كَانَ فِي ظَهْرِهِ بَضْعَةٌ نَاشِزَةٌ ".
قال حسّان بن ثابت رَضِي اللهُ عنه:
أغـرّ علـيـه للنبـوَّة خـاتـم ** من الله مشهـود يلـوح، ويشهد
وضمّ الإله اسـم النبي إلـى اسمـه ** إذ قـال في الخمس المؤذِّن: أشهـد
وشـقَّ له من اسـمـه ليجـلّـه ** فذو العـرش محمـود وهذا محمّـد
نبِيٌّ أتانا بعـد يـأس، وفـتـرة ** من الرُّسْل، والأوثان في الأرض تعبد
فأمسـى سراجاً مستنيراً وهاديـاً ** يلوح كما لاح الصّقـيل المهنـَّـد
وأنـذرنا نـاراً وبشَّـر جـنَّـة ** وعلَّـمنا الإسـلام، فاللهَ نحـمـد
وأنت إله الخلق ربي وخـالـقـي ** لذلك مـا عمَّرتُ في النَّاس أشهـد
تعاليت رب الناس عن قول من دعا ** سـواك إلهاً، أنت أعـلى، وأمجـد
لك الخلق والنعماء والأمـر كلّـه ** فإيّـاك نستهدي وإيَّـاك نعـبـد
- طوله صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ:
ففي حديث أَنَسٍ رضيَ اللهُ عنه السّابق قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ، وَلَا بِالْقَصِيرِ ". وفي رواية أخرى في الصّحيحين قال رضيَ اللهُ عنه" يَصِفُ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ: " كَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ ". والرَّبعة: هو المتوسّط الطّول.
وقال البراء رضيَ اللهُ عنه في حديثه السّابق: " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم رَجُلًا مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ". وفي رواية النّسائيّ عَنْ الْبَرَاءِ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم رَجِلًا، مَرْبُوعًا، عَرِيضَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ، جُمَّتُهُ إِلَى شَحْمَتَيْ أُذُنَيْهِ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهُ ".
ومعنى قوله رَضِي اللهُ عنه: " عَرِيضَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ": عريض أعلى الظهر، وفي حديث أبي هريرة رضيَ اللهُ عنه عند ابن سعد: " رَحْبَ الصَّدْرِ ".
- لباسه صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ:
روى أبو داود والتّرمذي والنّسائيّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: " كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم الْقَمِيصَ ".
ومثل ذلك البُرْدَة، وخاصّة البردة اليمانيّة الّتي تصنع من الكتّان والقطن مزيّنة، وهي المعروفة بالحِبَرة، فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: " كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم أَنْ يَلْبَسَهَا الْحِبَرَةَ ".
- نعله صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ:
روى البخاري عَنْ عِيسَى بْنِ طَهْمَانَ قَالَ: أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسٌ رضيَ اللهُ عنه نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ، لَهُمَا قِبَالَانِ، فَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ بَعْدُ عَنْ أَنَسٍ رضيَ اللهُ عنه أَنَّهُمَا نَعْلَا النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ.
ومعنى قوله: " لهما قِبالان ": تثنية قِبال، ويُسمّى شسعا، وهو أحد سيُور النّعل، فالقبال هو السِّير الّذي يكون بين إصبعي الرّجل، ومعنى ذلك أنّ إبهامه كانت في شسع، وباقي الأصابع في شسع آخر.
وكان صلّى الله عليه وسلّم يحبّ التيمّن في تنعّله أيضا كما مضى في حديث عائشة رضي الله عنها.
ومعنى قوله: " جرداوين " أنّهما كانتا سبتيّتين، فقد روى البخاري ومسلم عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللهُ عنه: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ! رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا ؟ قَالَ: وَمَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ ؟ قَالَ: رأَيْتُكَ-وذكر أمرين يتعلّقان بالحجّ-.. وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ، وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ .. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: .. وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَلْبَسُ النَّعْلَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا، وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يَصْبُغُ بِهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا ..".
- خَاتَـمُـه:
الظّاهر أنّه صلّى الله عليه وسلّم كان له خاتمان من فضّة، أحدهما ذو فصّ من الخرز الحبشيّ، والآخر فصّه من الفضّة نفسها.
روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: " كَانَ خَاتَمُ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم مِنْ وَرِقٍ، وَكَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا".وروى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسٍ رضيَ اللهُ عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم كَانَ خَاتَمُهُ مِنْ فِضَّةٍ وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ.
وكان يختم به على كتبه، فقد روى مسلم عَنْ أَنَسٍ رضيَ اللهُ عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ، فَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا بِخَاتَمٍ، فَصَاغَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم خَاتَمًا حَلْقَتُهُ فِضَّةً، وَنَقَشَ فِيهِ ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ) [كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي يَدِهِ ]".
وروى البخاري عَنْ أَنَسٍ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: " كَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ: مُحَمَّدٌ سَطْرٌ، وَرَسُولُ سَطْرٌ، وَاللَّهِ سَطْرٌ ".
وكان موضع خاتمه صلّى الله عليه وسلّم اليمين، كما في صحيح البخاري عن ابن عمر رَضِي اللهُ عنه، وفي صحيح مسلم عن أنس رَضِي اللهُ عنه.
عمامته صلّى الله عليه وسلّم.
أكثر ما كان يعتمّ به صلّى الله عليه وسلّم عمامة سوداء، فقد روى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضيَ اللهُ عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
وروى أيضا عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ رضيَ اللهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه وسلّمخَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ.
وروى التّرمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا اعْتَمَّ سَدَلَ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. قَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضيَ اللهُ عنه يَسْدِلُ عِمَامَتَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ عُبَيْدُ اللهِ: وَرَأَيْتُ الْقَاسِمَ وَسَالِمًا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ.

فصلّى الله على نبيّ الهدى والرّحمة صلاة وسلاما دائمي النّماء يملآن ما بين الأرض والسّماء.



السّ

0 التعليقات:

إرسال تعليق